الدعوة الى التقارب الفكري من أجل إنقاذ الوطن - الحلقة الثانية
بقلم الأستاذ: محمد امان ابراهيم انجابا
لقد تناولت فى السابق المفاهيم العلمانية ومشتقاتها وماتمثله. أما فى هذا المقال سوف أتناول المفاهيم الفكرية التى تمثل النقيض لها.
أى الحركات الإسلاميه بمدارسها المختلفة وما يدور فى فلكها بصورة مبسطة.
المسلمين الإرتريين دورهم كان طليعى فى العمل الوطنى، تجسد فى الثورة الإرتريه بمراحلها المختلفة وكان بارزاً فى بقاء ووحدة الكيان الإرتري وإمتد عطاءهم على مدى التاريخ.
ترجع نشأة الحركة الإسلاميه فى مطلع الأربعينيات وظهرت بواجهات مختلفة الى أن تمخضت حركة الجهاد الإسلامى الإرتري فى أواخر الثمانينيات، ثم بعد ذلك تأرجحت لأسباب داخليه وخارجيه، وكان السبب الرئيسى العامل الداخلى وماتمثله من مدارس مُتباينه أدى الى إنقسامها:
1. حزب العدالة والتنميه الإسلامى (حركة الخلاص سابقاً) هذا الحزب مازج ما بين الفكر الاخوانى وفكر الحركة الإسلاميه السودانيه.
2. حركة الإصلاح الإسلامى (حركة الجهاد.. فصيل أبو سهيل).
هى حركة سلفيه، إنشقت من التنظيم الأم بسبب الخلاف المذهبى أى إختلاف المدارس، ولم يتوقف الأمرعلى ذلك بل خرجت من رحمها عدة تنظيمات (صراع سلطوى قبلى بحت).
التنظيمات التى خرجت منها: جناح ابراهيم مالك، فيما بعد ترك العمل السياسى وتفرغ للعمل الطوعى، إنشق منها حزب العدالة الإرتري (قذائف الحق سابقاً)، وأخيراً إنفلق منها المؤتمر الاسلامى...
هاتين الحركتين الرئيسيتين كانتا تُمثلان مدارس فكرية متباينة داخل حركة الجهاد الإسلامى الإرتري مما أدى الى إنشطارها الى قسمين وخطين متوازيين لم يلتقيا إلا تحت مظلة التضامن وهو عمل تكتيكى أكثر من مقاربة فكرية وتوافق سياسى، بل يدخل كذالك فى إطار التمترس الجغرافي.
وبهذا تفرعت وإنشطرت ولم يكن السبب منهجى وموضوعي بقدر ماهو صراع سلطوى.
تظل المشكلة فى خطابهما السياسى، ورؤيتهم للطرف الأخر (مسيحيين + وثنيين + علمانيين) فشلت فى إدارة التنوع ناهيك عن حكم ارتريا كدولة ومافيها من نقيض فهذه مرحلة متقدمة جداً لم تصلها بعد.
بعد هذه النظرة العابرة للحركات التى تمثل الخط الإسلامى علينا قراءة واقعها وتقويمها فى ظل الصراع الفكرى، ووجه القصور والتحدى الذى يواجهها؟؟ هل هى حركات تدافع عن حقوق المسلمين وتمثلهم كمكونات إجتماعيه ؟؟ لماذا تتصف بغموض طرحها ورؤيتها المستقبليه ؟؟ هل هى حركة مطالبيه أم ذات فكر سياسى يطرح نفسه كبديل ؟؟؟ هل لها رؤيا شاملة للنظام السياسي فى ارتريا أم تريد أن تختزله فى إطار جغرافى محدد ومجتمع بعينه ؟؟...
هذه الاسئله وغيرها تحاصر أصحاب هذا الفكر.. يجب عليهم طرح السلام الداخلى والوفاق الوطنى حتى يساهموا فى التوازن السياسى ويكونوا جزء من الحكم ليحافظوا على حقوق المسلمين، وعليهم أن ينفتحوا ويديروا الحوارات الفكريه والدينيه حتى نجنى ثمارها فى الحاضر والمستقبل.
فقرة الشريعة الإسلاميهورؤية الأخريين لها أمر يجب التوقف عليه ومراجعة كل مايتعلق فى هذا الشأن حتى لاتكون محطة صِدام وصراع مبكر بل يجب تقنينها حتى تعمل الحركات الإسلاميه وفق منهج مرتب وممرحل يتصف بالمرونة والنضوج، وتعمل أيضاً وفق فقه جلب المصالح ودرء المفاسد.
أن يكون لها رؤيا بعيدة من أجل حقوق المسلمين دون أن تقع فى الوحل حتى لاتجد نفسها فى صراع مع المسلمين قبل الأخريين. يجب أن يكون لها وجود فى الداخل لتُسمع صوتها وتحقق المنشود.
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} صدق الله العظيم [البقرة: 256]
يبدوا لى الإخفاق الذى أصابها حوّلها الى حركات مطالبيه ومناطقيه وقبليه وهذا واقع يجب تَدارُكهُ قبل فوات الآوان، ويجب العمل فى تجديد خطابها وتطوير فكرها وتصحيح مسارها وماصاحبها من أخطاء فى عملية التطبيق مقابل التنظير..
التنظيمات التى تعمل تحت الغطاء الإسلامى تواجه مشكلة فى جذب المكون المسلم الذى تنادى بحقوقه قبل إقناع الطرف الأخر، وهاهى الإثنيات خرجت لتعمل فى أطر تنظيميه قبليهوهى جزء من المكون الإسلامى، وقد أخفقت فى إحتوائِهم وإستوعابِهم كمكونات إسلاميه.
يجب الإستفادة من واقع السودان وإخفاق الإسلاميين فى الحكم لقد كانت كارثة على المجتمع السودانى نتيجة لحكمهم المضطرب دون رؤيه واضحة، أعلنوا الشريعة ولم يتم تطبيق هذا المنهج الربانى. مما حكموا على الأخريين بالإنفصال المبكر قبل الإجراءات العمليه لعدم وضع إعتبار لهم فى ظل الدولة، وهاهم الآن يتباكون على إنفصال الجنوب وهناك منطقة جبال النوبة مجهولة المصير.
هذه هى نتائج رفع شعارات ليس فى وقتها كان يمكن لهم أن يعملوا فى تأهيل الدعاة وتربية المجتمع حتى يساعدهم على تطبيق الشريعة السمحاء، ولكن إنحرفت عن مسارها وكانت حركة سلطويه.
هل الحركات الارتريه إستوعبت الدرس من هذا النظام ؟ ولاسيما واقعنا أكثر تعقيداً.
هذه التنظيمات يجب أن تراجع فقه الأولويات، أيهما يجب أن يقدم وأيهما يجب أن يؤخر وذالك فى ضوء مجموعة من الأولويات التى جاء بها الشرع عسى أن تقوم بدروها فى تقويم الفكر وتسديد المنهج حتى تهتدى بها الحركات الاسلاميه السياسيه والعامِلين عليها.
وفى هذا الصدد أود ذكر بعض الأولويات للحركة الإسلاميه فى ضوء فقه الأولويات التى ذكرها الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي فى كتابه وهى عبارة عن مفاتيح، وتحتاج الى تطبيق عملى:
فى مجال العلم والفكر والأولويات:
أ/ أولوية العلم على العمل
ب/ أولوية الفهم على الحفظ
ج/ أولوية المقاصد على المظاهر
د/ أولوية الإجتهاد على التقليد
و/ أولوية الدراسة والتخطيط لامور الدنيا
ز/ أولوية فى مجال الأراء الفقهيه، ضرورة التمييز بين القطعى والظنى
الأولويات فى المجال العمل:
أ/ أولوية العمل الأطول نفعاً والأبقى أثراً
ب/أولوية العمل في زمن الفتن: ومن ذلك "أفضل الجهاد" كلمة حق عند سلطان جائر
الأولويات فى مجال الإصلاح:
أ/ أولوية تغيير الأنفس قبل تغيير الأنظمة.
ب/ أولوية المعركة الفكرية ينطلق من التقويم الفكر وتصحيح المفاهيم والتصورات ــ وهى ضرب من الجهاد.
ج/ أولوية التربيه والإعلام على التطبيق القانونى للشريعة.
الوضع فى الداخل والخارج حرج، النظام هتك روابط الأسرة بفقدان الأب ودمر أخلاق المجتمع وإستباحة الحرمات بالتجنيد الإجبارى (ساوا)، يجب الدخول الى أرض الوطن وتسجيل حضور تحت مسميات مختلفة بعد زوال النظام ومشاركة كل الأطراف فى الساحة والعمل دون حواجز.
يجب تقديم الإسلام مشروعاً حضارياً متكاملاً، وتفعيل دوره الدعوى فى إصلاح المجتمع.
يجب على الحركات الإسلاميه أن تعمل فى تذليل العقبات من أجل التقارب الفكرى والتوافق السياسى، والبحث عن خطاب متجدد ومتطور يواكب مرحلة التغيير الديمقراطى، وفق قراءة الواقع والمكون الأساسى للوطن. حتى يكون لها أثر فى التغيير والإصلاح.
الإسلام اليوم يعانى من حرب بلا هوادة كدين ناهيك عن تنظيم يتبنى الفكر السياسى الإسلامي.
يجب طمئنة الإنسان الإرترى والمسيحى على وجه الخصوص كصاحب معتقد دينى وهذا يتم عبر الحوارات المباشرة واللقاءات المتعددة حتى يخرج برؤيا مغايره عن ما يسمعه،،، هل تريد أن تحاصر نفسها ولاتطرح مشروعاً وطنياً وتظل أسيره لمنطلقاتها القديمه؟؟؟.
نحن نحتاج لنظام حكم توافقى، يجب العمل فى بناء تقارب وحوار فكرى حتى نتجاوز الإحتقان فى معسكر المعارضة ونبنى نظام حكم متقدم يستوعب كل المكونات الإرتريه، دون إقصاء لأى طرف.
هل الحركات الإسلاميه الإرتريه وصلت الى النضوج السياسى؟؟ وهل هى مؤهله لتولى زمام الأمر؟؟ أم تسعى لكى تمارس الدور الذى تمارسه الحركات المناظره لها فى العالم العربي كمعارضة لاتتجاوز هذا الخط ؟؟ وتنحصر فى هذه الديمومة ولاتتجرأ للمشاركة فى السلطة. هل هذه الحركات إرتضت أن تكون جزء من منظومة التضامن لاغير؟؟ وتعمل فى هذا الإطار ولا تعبئ لمتطلبات المرحلة.
لماذا لا تملك طرحاً وطنياً ؟؟ لماذا تعيب على المؤتمر الإسلامى إنفتاحه وحواره مع الاخريين؟؟ هل من يبحث عن مخرج من عنق الزجاجة عبر التقارب والحوار والتفاهم السياسي مخطئ وإرتكب وزر؟؟.
فالهروب من الواقع وعدم تحمل المسؤلية الوطنيه يقلل من مصداقيتها. الطاولة المفتوحة هى الحل لحالة الإختناق والتشنج السياسى، وإنسداد الأفق.
يجب عليها أن تتخلص من الأعباء التى تُثقلها، حتى تطرح نفسها كحركة إصلاحيه دعوية وتعمل من أجل تزكية المجتمع.. أكثر من تكون حركة مطالبيه وسلطويه.
وفى المقال القادم سوف أتناول المكونات السياسيه فدراليات وقوميات وغيرها إذا مد الله فى عمرنا.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.