بقلم المناضل الأستاذ: محمد عيسي المصدر: الرمال المتحركة

يوم كاد قلبي أن ينفطر:

في سرية الحراسة كانت الأمور تسير بشكل عادي وروتيني بعد مغادرة المناضل عبدو قائد المجموعة الأولي في الفصيلة الأولي

وكان هناك تنسيق تام بين فصائل السرية في توزيع المهام والمواقع حيث كانت ثلاثة حراسات تتم في ان واحد وفي مواقع مختلفة حول المعسكر وكان المعسكر محروسا خلال الأربعة وعشرين ساعة في اليوم وسبعة أيامات في الاسبوع فلا تلاعب ولا تساهل ولاتفريط الكل يدري ان اي تسلل يعرض المعسكر بأثره الي خطورة بالغة وليس أحد منا يود ان يكون هو السبب في اي تسلل لذا كانت كل الورديات حريصة كل الحرص علي ان تكون في أشد حالات اليغظة عند تسلمها مهام حراسة الموقع وكانت هناك ثلاثة مواقع اختيرت بعد دراسة تامة وتغطية هذه المواقع الثلاثة يغطي كل شاردة وواردة الي المعسكر من كل الأتجاهات... وكل موقع كان يحرسه مقاتلان ومعهم منظار للرؤية من علي البعد... ومن ضمن الشروط الحرسة أن لا تكون للشخصان اي مهام أخري في ذلك اليوم ومن اهم المهام الأخري مهمة الأسبوعية... والأسبوعية مسطلح صار متعارفا في الميدان علي الشخص أو مجموعة الاشخاص الذين سوف يجهزون الطعام ويحضرون ماء الشرب أما جمع الحطب فكانت مهمة كل أعضاء المجموعة ماعدا وردية الحراسة والمرضي من أعضاء المجموعة...

تداولت الأيام وأليوم صار يومي في اداء مهمة الأسبوعيىة وبالتحديد كان علي احضار الماء ومساعدة من يعد الطعام... كان علي النزول الي معسكر العيادة المركزية والأخذ من الماء الذي يجمع عادة في صباح كل يوم... أخذت الصفيحة وكانت الشمس محرقة وعادة في مثل هذا الوقت تجد معظم الناس مستلقية اما في ظل شجرة او في داخل تلك الأكواخ او تحت الرواكيب... حملت صفيحتي وبدأت النزول بحرص حيث المنحدر شديد وأحسب لكل خطوة الف حساب حتي وصلت الي المعسكر وكلما مررت بكوخ اسلم علي من فيه احيانا اجد الرد واحيانا أخري ليس من مجيب فالناس في قيلولة والصمت مدقع في المعسكر... وصلت موقع الماء وكان بالقرب من راكوبة تستلقي تحت ظلها الثلاثة مناضلات اللائي يوجدنا بالعيادة المركزية وكما اسلفت من قبل توجد من ضمنهم المناضلة سعدية تسفو... ألقيت عليهن التحية لكن علي ما يبدو نائمات أخذت مائي وبدأت الي دربي موليا وكانت أولي المصاعب الخروج من ذلك الموقع نفسه تخيل وانت تحمل صفيحة ماء وتود الصعود في طريق اغلبه صخور واحيانا صخور ملساء يميل لونها الي الزرقة.. صراع مع الطبيعة... كم من مرة تكاد الصفيحة ان تطيح مني وانا اصارع ان لا يحصل ذلك لعلمي والمامي بمالات ذلك... اراد الله ان لا يحصل ذلك رغم امكانية حصوله.. فجسمي النحيل الذي كان يئن تحت حمل تلك الصفيحة وصعوبة صعود المنحدر كانت عوامل تجعل ذلك ممكنا... بدات الصعود تدريجيا وكذلك تدريجيا تتصاعد انفاثي وتتعثر خطواتي ويتساقط جزء من الماء علي قميصي وكذلك اواصل حتي اشتد بي التعب وزاد بي الأعياء فقررت ان أتوقف وأنزل الصفيحة وأأخذ قسطا من الراحة...وانا أفكر في ذلك أبصرت صخرة شبه مستديرة فقررت أن أنزل عليها حملي وذلك سوف يعينني علي أنزال الصفيحة وعلي حملها بعد الاستراحة..هكذا فكرت وبعد جهد وصعوبة أنزلت الصفيحة فوق الصخرة وتنفست الصعداء وانا ممسك بها حتي لا تطيح ويتدفق الماء....

اخذت قسطي من الراحة واستجمعت قوتي وبدأت في رفع الصفيحة وعند الرفع ربما ضغطت علي الحجر الكبير أكثر من اللازم وبحكم انه في منحدر وكل شئ في المنحدر محكوم بتوازن وقد اختل التوازن وبدأ الحجر الكبير في التحرك ثم التدحرج ويا للمصيبة، ألقيت بالصفيحة وصرت أجري محاولا ايقاف الصخرة لكن هيهات فقد فات الأوان وصرت كالمجنون اصيح "ابناي.. ابناي" اي صخرة... صخرة.. والصخرة تتدحرج وتتدحرج والناس تخرج من الأكواخ وتتواصل الصخرة في التدحرج والناس تصيح وياللمصيبة ويالهولي وخوفي مما يمكن أن يحدث والمناضلات مازلنا راقدات رغم تصايح الكثيرين والصخرة في طريقها اليهم كانها مبتعثة اليهم لا شيئ يوقفها الا اردة الله ومشيئته... والحمد لله علي تلك المعجزة التي أنقذت المناضلات الثلاثة حيث كانت الصخرة بصدد النزول الي مرقدهن لولا ارتطامها بنتوء بارز من الصخر الخارج من علي الارض حيث غير ذلك مسار الحجر الكبير المتدحرج وهبط بالقرب من مرقدهن علي بعد خطوات في مكان محفور كن يوقدن فيه النار لغلي الماء وتعقيم السرنقات.. انتفضن غير مصدقات لما رأين والكل لا يدري ماذا حصل والكل مأخوذ بدهشة الموقف وخطورته وأنا مضطرب لا أكاد أصدق ما حصل ولا أكاد أصدق ما أري.. في وقت وجيز تغيرت الأمور لتشكل أخطر حادثة تتعرض فيها حياة المقاتلات لخطورة.. ان دوري الأساسي كان يكمن في حمايتهن وليس تهديد حياتهن ولولا لطف الله بهن وبي لجرت الأمور الي ما لا تحمد عقباه...

أتي القائد صباح الخير مسرعا قبل ان تفلت الأمور من مجراها ويكثر الهرج والمرج، استدعاني بعيدا وطلب مني شرح ما حدث.. اخبرته بالتفاصيل وشاهد بنفسه مكان الصخرة قبل التدحرج وكذلك الصفيحة وهي ملقاة علي الجانب.. والماء المسكوب علي الأرض.. أدرك بأنه ماكان بوسعي فعل شيئ كل ما استطيع فعله هو الصياح حتي تبتعد الناس عن مسار الصخرة ولقد قمت بذلك ايضا وعون الله ولطفه حل بالجميع وحال دون حدوث الكارثة التي لا يود احد حدوثها... استدعي صباح الخير أحد جنود مجموعة الخدمات وطلب منه معاونتي علي نقل الماء لموقعنا في الحراسة وطلب مني بالأنتباه أكثر وعدم لمس أي شيئ يمكن ان يتحرك.. ذهبنا الأثنان وملأنا الصفيحة التي تطعجت قليلا واعنا بعضينا البعض في الصعود بها مجددا حتي وصلنا موقعنا في الفصيلة الاولي وزميلي في الاسبوعية يشتعل غضبا من تأخري بالوصول بالماء وعندما شاهد الصفيحة مطعجة صار يتساءل ان كنت قد رميت الصفيحة.. طلبت منه ان يتمهل ويهدأ وسوف أشرح له كل شيئ وشكرت المقاتل الذي أعانني علي احضار وايصال الماء.. وبعد وضعي الماء في موقعه ذهبت أبحث عن قائد الفصيلة محمد عافة الذي وجدته تحت احدي الأشجار الكثيفة شرحت له كل ما حدث عندها طلب مني الجلوس وصار يحدثني مطيبا خاطري ومخففا عني وطأة الحدث ويطلب مني ان لا أتاثر بذلك وهو سوف يشرح للفصيلة ما حدث ويطلب مني أن اختار ان كنت أود احضار الماء أم تحضير الطعام بدلا عن ذلك وان لا أملا الصفيحة وأن أحمل من الماء ما أستطيع حمله فقط وأن لا أتردد في طلب المساعدة ان كنت أريد المساعدة... وصايا قائد مدرك وملم وحريص علي أفراد مجموعته كحرصه علي سلامة كل الأفراد في المعسكر..

في نفس ذلك المساء حضر الي موقعنا في الحراسة القادة صباح الخير والشهيد ادريس عمر لتفقد الأمور وسرهم وأعجبهم ما شاهدوا حيث قام القائد محمد عافة علي ترميم ومعالجة الأمور من قبلهم وها نحن في الفصيلة نضحك علي التجربة بعد تجاوزي لثارها وكلي طيب خاطر...

ونواصل في الحلقة القادمة...

----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 تجربة طالب أرتري ترك مقاعد الدراسة والتحق بالثورة الأرترية وهي في أوج تألقها وصعودها نحو انتصارات عظيمة.

• السابق
• التالي