الي دبر سالا - الحلقة التاسعة عشر
بقلم المناضل الأستاذ: محمد عيسي المصدر: الرمال المتحركة
أسرار الحجاب:
انتظرنا حتي صار الجو أقل حرارة وسخونة وانطلقنا ونحن في أفضل ما يمكن من معنويات وبالطبع تحسن الحالة الصحية لكداني
ومألات ذلك علي الجميع كان واضحاً للعيان وربما كانت المرة الأولي التي نكون فيها دون ضغوطٍ أو قلق علي شيئ ما وحتي كداني صار يمازح المواطن صاحب الجمل وصار يستخدم القليل من مفردات التقرايت التي بحوزته.. وتسمع المواطن يضحك عليه عندما يؤنث المذكر ويذكر المؤنث وصارت خيوط الألفة والصداقة تتوطد بينه وبين المواطن وكان هذا يجعلنا أكثر ارتياحاً وانشراحاً.. نطوي المسافات علواً وهبوطاً وخيوط النهار في انسحاب تاركةً المجال للعتمة والظلام يسيطر رويداً رويداً والمواطن والحسال والعصي علي الكتف يقود في الجمل بكل هدوء وطمأنينة ونحن نسير خلفه لا نبالي لا بالمسافة ولا بالاتجاه فهذه الأشياء متروكة للمواطن ليأخذ همها عنا جو مختلف تماماً عن الأيامات الماضية وأتمني أن يكون كذلك في الأيامات القادمة.. كل شيئ كان يسير بشكل طبيعي حتي لاحظ كداني حركةٍ وضوءٍ من بعيد وهو علي ظهرِ الجمل توقفنا لنتأكد ونحن لا نحمل الكافي من السلاح كل ما عندنا هو قنبلتين يدويتين يعني وكما يقال "كولي" أي دون سلاح.. توقفنا واسترققنا السمع وقد ميز المواطن صوت بعير من الأصوات ولا نستطيع مع الظلام أن نري أي شيئ ما عدا الضوء ولا ندري مصدره ولا مصدر الحركة التي من الواضح أنها تقترب وتقترب وكان المواطن سباقاً في معرفة المصدر قائلاً "سَبْ بَرشوتْ تومْ يهو" أي انها قافلة التجار وقليلاً حتي كان كل شيئ بائن للعيان بأنها قافلة من الجمال يقودها مجموعة من التجار اللذين يجلبون الأغراض من كسلا.. رفع المواطن صوته عاليا "يهو سلامْ عليكمْ.. أٌكوبامْ وسلومامْ" أي السلام عليكم مخاطباً ومطمئناً أصحاب القافلة والظلام دامس كرر ذلك مرتين أو ثلاثة حتي سمعوهوا ثم ردوا السلام واقتربوا وشاهدونا وتبادلنا معهم التحايا.. لقد اضطربوا وتوتروا قليلاً لكن مبادرتنا لهم بالتحية طمأنتهم وأزالت اضطرابهم وبادلونا التحية سألونا ان كنا نحتاج أي عون أو مساعدة شكرناهم وتجاوزناهم وكلٍ سار في طريقه.. فهؤلاء البرشوتْ يسيرون دائما في الليل لخوفهم من كل شيئ علي تجارتهم وهم مستعدون للدفاع عنها مهما كلفهم ذلك وحياتهم دائماً في خطر لكنهم يقومون بالرحلة بين كسلا وأطراف كرن أو أغردات وكانوا يؤدون هذه المهنة حتي في اصعب الأيام خطورةً وأشدها صعوبة وكان دورهم فعالا في توفير السلع المطلوبة للسوق المحلية والكل كان يدري مدي خطورتها.. تجاوزناهم وانشرحت صدورنا حيث زال التوتر وعادت النفوس الي سابقتها من الانبساط والطمأنينة.. والمواطن يلوح بيده الي القرية لكن يشك في ان كان لهم جملٌ حيث القرية صغيرة جدا علي حسب قوله.. قلنا فالنصل في الأول ثم من بعد نقرر ما يمكن فعله.. قال ان القرية تتشكل من أسرة واحدة وجملهم معظم الوقت لا يكون بالقرية انهم جيرانهم لذا يعلموا أحوالهم جيداً.. عندما وصلنا وكالمعتاد نزلنا بالقرب من القرية وذهب المواطن لأخطارهم وإحضار الماء والنار وككل المواطنين قام بواجبه وعاد قائلاً "قدم ربي لحفظكم.. قِسْكٌو" ربنا يحفظكم فأني ذاهب وشكرناه كثيرًا خصوصاً كداني ظل يردد "شكراً يبا.. شكراً يبا" مشكور يا أبتي مشكور يا أبتي.. وأختفي المواطن مع جمله قافلاً وعائداً الي قريته.. جلسنا الثلاثة نتسامر قبل أن يأخذنا النوم ولا نود أن نأتي بسيرة الرعاف لكداني كما هو لم يأتي بالسيرة أيضاً وكلنا في دواخلنا نتمنى أن تكون النهاية مع النزيف الأنفي وفي اليوم التالي لم نتسرع لنغادر مبكرين كالعادة بل فضلنا أن نستريح ونتحرك متي رأينا ذلك مناسباً وفي أثناء شرب الشاي سأل صباح الخير كداني عن الرعاف وكيف يحس الآن وقال " سالا اذي بروخ سبأي تقاريطو طَطَوْ ايلو" أي بفضل هذا الرجل المبارك توقف وانقطع ويضيف وأنا المجنون كنت أصر بالرفض والحمد لله قبلتٌ في الآخر.. سمعتها من كداني وأنا غير مصدق لكن يبطل العجب عندما تري النتيجة وهذا ما يرمي الية كداني.. صباح الخير يسأل كداني ان كان يسمح له بفتح الحجاب ورؤية ما فيه.. كداني يرد علي صباح الخير أجننت أم تريد الرعاف ليعود ونعاني كلنا من جرائه سوياً ,, صباح الخير لا هذا ولا ذاك أردتُ رؤية ما فيه ثم اعادته الي حالته الأصلية ورده لك.. تجاذبوا أطراف الإلحاح والرفض وتحت أصرار صباح الخير وافق كداني بشرط أن يُعيده الي حالته الأصلية ويرده أليه كما أخذه ووافق صباح الخير علي الشرط.. أعطاه إياه واقتربنا جميعاً منه حتي نري ما بداخله.. أزال صباح الخير بكل رفقٍ وعناية الجلد بعد أن فتح الخيط وفي داخل الجلد وجد قطعة من القماش الأبيض النظيف.. فتح القماشة التي كانت تحوي بدورها قطعة من الورق الأبيض تبدو انها مقطوعة من كراسٍ ثم فتح الورقة التي لم يكن بها أي شيئ لا كتابة ولا شخوطٍ ولا علامات أو رموز لكنها كانت تلتف حول ورقةٍ أخري والتي قام بفتحها وكداني لا يصدق ان كان صباح الخير سوف يتذكر كل هذه التفاصيل ويرد الحجاب الي حالته الأولي.. صباح الخير يقول له بأن لا يقلق فأنه رادها اليه وكأنه لم يفتح ولم يلمس.. قام صباح الخير بفتح الورقة الأخيرة وهنا كان العجب العجاب.. مثلث من الرقم سبعة ويبدأ برقم واحد في السطر الأول ثم برقمين في السطر الثاني ثم ثلاثة في السطر الثالث وهكذا الي سبعة أرقام في سبعة أسطر وفقط من الرقم سبعة وكل ذلك في شكل مثلث ويعطيك مثلث مهما قلبته في كل الاتجاهات.. نظرنا جميعا الي بعضينا البعض حتي كداني أحتار أرقام وفي شكل محدد وبطريقة محددة.. صاح كداني "ملسليْ حجابيْ" أي رد لي حجابي وهو يخاف أن لا يعود النزيف مجدداً.. لقد أستقرق صباح الخير وقتاً طويلاً في رده الي ما كان عليه والمهم أنه تمكن من اعادته الي سابق حالته ورده الي كداني الذي صار يشكر صباح الخير علي الجهد الذي بذله لرده الي حالته الأولي.. أتابع ولسان حالي يقول عجائب وغرائب وكما يقول المثل الدارجي تعيش وتشوف.
ونواصل في الحلقة القادمة...
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تجربة طالب أرتري ترك مقاعد الدراسة والتحق بالثورة الأرترية وهي في أوج تألقها وصعودها نحو انتصارات عظيمة.