أيام لاتنسى من ذكريات المناضل محمد علي إدريس ابو رجيلا - الحلقة السادسة عشر
إعداد: جبهة التحرير الإرترية
ما بعد المؤتمر الوطني العام الأول: بعد واقعة أرافلي أخذت قيادة الجبهة تتهيأ للمعركة مع قوات التحرير الشعبية وتستفيد من أثر
معركة أرافلي على المقاتلين والقادة الذين آلمهم ما حدث لرفاقهم وتعبأت النفوس وتهيأت لخوض المعركة كان التسليح بين طرفي المعادلة يميل لصالح قوات التحرير إلا أن الخبرة القتالية الميدانية كانت لصالح مقاتلي الجبهة في هذه الأجواء حشدت القوات وزحفت السرايا وشكلت معاً ما عرف لاحقاً بجيش عرمرم الذي إختير له أفضل الجنود وأكثرهم خبرة ودراية بأجواء المعارك وفنون القتال ومن أكثر المقاتلين قوة وصبرا ومقدرة على إحتمال أقسى الظروف القتالية والمعيشية في هذه الأجواء تم إستدعاء سريتنا وذهبنا في طريقنا للساحل حتى مشارفه وهناك تناهت للقيادة معلومات عن حركة كثيفة للعدو في قلب بركة فصرفت إلينا تعليمات جديدة بالعودة فأخذنا نعد العدة للعودة كان مسيرنا حتى تلك المنطقة من بركة تحات مرهقاً لهذا أخذنا راحة لثلاثة أيام ثم بدأنا بالعودة مجدداً كنت ورفاقي في قمة السعادة لتلك التعليمات بالعودة وعندما وصلنا الى مشارف بركة علمنا بأن الجبهة بقيادة عبدالله إدريس الذي عاد من منطقة الماريا التي كان فيها وهو في طريقه للساحل حيث جاءه مراسل من بركة يعلمه بحركة العدو ومشروعه ونظراً للأوضاع الخاصة التي كانت تعيشها بركة في ذلك الوقت عاد إليها خاضت الجبهة بقيادته سلسلة طويلة من المعارك الشرسة مع العدو الإثيوبي وأمر لهذا الغرض عديد السرايا بالعودة ولتفاقم الأوضاع أمر سريتنا التي جاءتها الرسالة متأخرة بعض الشيء حتى إبتعدت وأصبحت على مشارف الساحل، كان الوقت خريفاً وهو من أروع المواسم في منطقة بركة وعموم المنخفضات الارترية وخاصة شهر أغسطس الذي تعود فيه البهائم ويكثر الزرع والضرع وتتوفر المياه بكثرة هو بإختصار موسم الخير الوفير والعطاء الكثير لأهلنا في بركة، كما تصعب فيه حركة آليات العدو، وصلنا والمعارك قد حسمت لصالح الجبهة وهزم العدو وعاد من حيث أتى ورغم ذلك كانت تعليمات القيادة بالنسبة لنا البقاء في بركة تحات حيث معاقلنا التاريخية لرصد حركة العدو والتصدى له إن هو فكر في إستغلال الموقف مرة أخرى كان الشعب في قمة الفرح والثقة بالمناضلين والثورة التي راءها بأم العين وهي تهزم العدو وتجرعه كؤوس الذل والخيبة وكان لمساهمة أهلنا ووقوفه وراء جيش التحرير بالماء والأكل والسمن وزغاريد النساء وحماسهن دورا حاسماً للصمود ولكسر العدو والانتصار عليه، إلا أن أحزاني الشخصية كانت كبيرة بسبب إستمرار الحرب في الساحل بين أبناء الثورة كانت حرباً قذرة بحق فقدت الثورة فيها عشرات المناضلين وكان من بينهم قادة صرفت عليهم الثورة الكثير لتطوير قدراتهم القتالية في الكليات الحربية في الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة وفي معاقل تدريب الثورة الفلسطينية،
كما أدت لرفض العشرات الالتحاق بالميدان رفضاً لتلك الحرب وكانت دروس تلك الحرب لو هضمتها العقول لكانت كافية لمنع أبناء الساحة من الدخول في نزاعات بين فرقاء الثورة مجددأ ولكن وكما يقال ما أكثر العبر وأقل الاعتبار فقد تبعت تلك المأساة مهزلة أخرى جرت في عام 1979م.
من جانبنا خضنا نحن معارك هجومية ليلية على العديد من معاقل العدو وكان غرضنا شل حركته ومنعه من إستغلال الموقف ولاحقاً شنت الجبهة سلسلة من المعارك على البلدات والمراكز كما زادت من أعداد قواتها في ضواحي العاصمة أسمرا وبدأت ملحمة قصف أسمرا بصواريخ الكاتوشا وهذا فرض على العدو الانكماش عن بعض المراكز كما نفذت سلسلة من العمليات الفدائية غير المسبوقة منها عمليات البنوك في أغردات وتسني والحمرا والتي كانت من العوامل المساعدة في دعم الثورة التي عانت ظروف قاسية للغاية في تلك الفترة وبدأت حركة الجيش الإثيوبي وإنقلابه على نظام الإمبراطور وإنحياز الجيش للشارع الإثيوبي وكان رأس رمح تمرد الجيش الفرقة الإثيوبية الثانية المتمركزة في إرتريا والتي رجحت إتجاه حسم الجيش للأمر في أديس وأقصي الإمبراطور وحاشيته التي حملوها مسؤولية تفاقم الأوضاع في إرتريا والمجاعات الطاحنة في إثيوبيا والعجز عن حل المعضلات وعلى رأسها مسألة إرتريا وبدأت موجة واسعة من تدفق الشباب الإرتري الى الميدان بلغت الأعداد ما يقارب الثمانية آلاف وأنشأ مركز ربدا في ساوا الشهير لاستيعاب تلك الأعداد كما شنت الجبهة أعظم عملية فدائية في تاريخ الثورة نفذت في سجنى أسمرا وعدي خالا في شهر فبراير 1975م أسفرت عن إطلاق سراح أكثر من ألف مناضل من مناضلي الثورة وأبناء شعبنا المعتقلين وكانت الثورة منذ بداياتها قد ركزت على العمل الكفاحي الذي يحط من قدر العدو (ففي الستينات نفذت عملية إخراج تدلا بايرو التي أطلق عليها إسم البراد ولهذا فإن باع الجبهة وذراعها السرية داخل المدن كان طويلاً وكان يمتد حتى العاصمة والمدن الإثيوبية بما فيها أديس نفسها) أيضاً في هذه المرحلة نفذت عملية فدائية في مدينة أغردات إستدرجت العميل أبو حمد وكان قد سلم في وقت سابق من الثورة نتيجة مشادات كلامية مع رفاقه ونفذ عمليات إستهداف نشطاء الجبهة في الريف وقد طالني شخصياً بواحدة من تلك العمليات التي أسفرت عن جرحى زميلي المناضل إسماعيل وتمكنت من الخروج به رغم إصابته في ساقه كما ألقي القبض على المواطن آدم تيته وكان صاحب دكان في الريف ومن نشطاء الثورة ولهذا كان مجال بحث مستمر للثورة وكان شجاعاً وجريئاً يخشى جانبه ولهذا كان التخطيط لتنفيذ حكم الثورة فيه يأخذ بعين الاعتبار هذه الخصال ولهذا جاء مباغتاً له وللعدو الذي جن جنونه فنفذ مجزرة بشعة بحق أبناء شعبنا في مدينة أغردات عاصمة المديرية الغربية عرفت بمجزرة الأحد الأسود وأسفرت عن إستشهاد أكثر من ثلاثمائة من أبناء أغردات كان من بينهم المواطنين الأبرياء العزل من النساء والرجال والشيوخ والأطفال ومن بينهم خيرة نشطاء ثورتنا شعبنا خاصة وأن مدينة أغردات كانت من المعاقل التاريخية لجبهة التحرير الارترية وكانت هذه المذبحة البشعة هي التي دفعت أبناء أغردات للخروج الى السودان والشتات من مدينتهم كما قمنا بسلسلة طويلة من المعارك على طول الشارع العام بين المدن وأجبرنا العدو على التنقل بنظام القوافل المحمية بالقوة العسكرية وحتى تلك القوافل كانت تتعرض للهجمات بين المدن وكثيراً ما كانت تتوقف لمدد طويلة وتمشي بين المدن ببطء شديد وكانت بعض الطرق مشلولة تماماً وبعضها الآخر خرج عن دائرة العمل فنمت عليه الأعشاب.
كانت سنوات من البذل والعطاء رفعت الثورة رغم ما دار بينها الى أعلى المراتب وأصبحت حقيقة على الأرض يستحيل تجاوزها في صياغة الواقع الإرتري وواقع السلام والاستقرار في المنطقة وكان ثمن هذه المكانة تضحيات ودماء وأشلاء وتحمل لواقع نضالي بالغ القسوة وكان البعض بمن فيهم بني جلدتنا يعتقد أن المناضلين وعوائلهم أجساد نورانية ملائكية لا تأكل ولاتشرب وليست بحاجة لمطلوبات الحياة لهذا تحملت عوائل المناضلين مالا يطاق ولو أن كل إثنين أو ثلاثة من العاملين تحملوا عائلة لكان الوضع أفضل ولكن لم تحدث مثل هذه المبادرات أبداً.
في ظل هذه الظروف الصعبة في كل المجالات بدأت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العام الثاني تعمل ليل نهار لتأمين الدخول للمؤتمر الذي جاء بعد مرحلة عاصفة من الأحداث.
تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة