المناضل الشهيد محمود ابراهيم محمد سعيد شكيني نصف قرن على الرحيل
بقلم الأستاذ: أحمد داير - كاتب وناشط سياسي إرتري
الإنحياز المبكر:
لا أتذكر تحديدا الفترة التى قدم إلينا فيها الشهيد شكيني لكن أرجح أن ذلك كان فى منتصف الستينات.
بدأ دراسته بطبيعة الحال فى مدينته كرن ويتذكر المناضل صالح سيد حيوتى أنه حين ألتحق بالمدرسة تعرف عليه وعلى تلميذ آخر أرتبط به والتحقا سويا فى وقت لاحق بالجبهة وكانا متشابهين فى طريقة الأستشهاد وإن كان قد تأخر بعده خمس سنوات... هو الشهيد عبدالقادر رمضان على شيخ.
واصل دراسته فى أسمرا بعدها وحسب علمى فى مدرسة الجالية العربية ثم بعثه والده بعدها لإكمال الدراسة فى مصر التى كانت مطمح العديد من الأسر.
يلاحظ أن كثير من المناضلين الأوائل قد ألتحقوا من القاهرة حين كانوا طلابا هناك وبعث عدد منهم إلى دورات عسكرية فى سوريا والعراق.
أما الشهيد شكيني فقد توقف فى كسلا ولم يواصل الرحلة وكان أنحيازه مبكرا قبل الوصول إلى الهدف الذى جاء من أجله والأرجح أن ألتحاقه كان فى فترة القيادة الثورية.
من القصص التى سمعتها عن أيامه الأولى فى كسلا أنه ولأهتمامه بكرة القدم التى لقب بأحد أشهر لاعبيها الأيطاليين... شارك فى تمرين فأعجبت بمهارته إدارة أحد فرق الدرجة الأولى وضمته وقبل المشاركة تمت مكيدة من فريق منافس وأوقف من الشرطة وتم الإتصال بوكيل كنتيباى فى كسلا وأفرج عنه.
ومع ذلك فإن تلك الفترة شهدت مشاركة حارس مرمى فريق التاكا الشهير قرماى وبعدها بسنوات كان المناضل صالح إبراهيم (جمجام) الذى كان زميله فى فريق عنسبا فى كرن حارسا متميزا لفريق الأهلى فى كسلا وأطلق عليه جمهور كسلا لقب (ابو شنب).
لا شك أن هناك مؤثرات وطنية وسياسية سبقت قدومه إلى كسلا منها النشاط الطلابي والجماهيرى فى مدينة كرن.
إضافة إلى ذلك ما علمته عن نشاط فى الأسرة لشقيقه سليمان الذى لاحظت تأثرا له به فى بعض الصفات وتأثره الاكيد بأحد رموز كرن الوطنية... صهره الشيخ ٱدم قدوف الذى اضطر إلى مغادرة إرتريا فى النصف الثانى من الستينات بعد مضايقة قوات الاحتلال له.
بالنسبة للنظام والانضباط أجزم أنه تأثر بشقيقه أحمد وكان ذلك واضحا لى حين زرت كرن فى العام 1974 ولاحظت تطابقاً فى ذلك.
كان للشهيد قدرة على الإقناع والحجة والمنطق... أتذكر بعد قدومه من دورة الصين ضمن المناضلين الخمسة والذين رحلوا جميعا عدا... أن كانت حملة رهيبة وعنيفة ضد الشيوعيين فى السودان وصلت إلى طرد نواب الحزب الشيوعى من البرلمان إضافة إلى الحملات المزعومة وقتها عن انحلالهم وزواجهم من محارمهم ..الخ. لاحظت بعد فترة من قدومه تغيرا فى مفهوم الوالدة وهى تردد... الصينيين ناس تمام.. محمود قال ما عندهم ولا شحاد واحد.
ثم كان الدور التالى على وانا ألاحظ مدى عشق الصينيين حينها للزعيم ماو فى مطالعتى لمجلاتهم التى كانت تصلنا فى كسلا من وكالة شينخوا... مجلة الصين الجديدة وغيرها. بادر الشهيد بتقديم كتيب جيب صغير عنوانه مقتطفات من أقوال الرئيس ماو... وطلب منى أن أقرأه.
فتحت الكتيب فإذا بصورة ماو فى الصفحة الأولى. قلت له أنكم تعبدون هذا الرجل... استعاد الكتيب وقام بتمزيق صورة ماو فى أشارة إلى أنه ضد عبادة الشخصية... ثم نبهنى إلى واحدة من المقتطفات التى كانت مخصصة للأجانب فى الصين ويرددونها ملحنة... وباعتبار أننى كنت مولعا بالغناء ولا أزال فقد حفظتها بالصينية وكنت أرددها بعد ذلك أيضا مع الشهيد صالح عمر شوم من دورة الصين الثانية الذى كان يشرفنا فى المنزل... المقتطف كان يتحدث عن الثورة أو قيمن Gemin بالصينية ومن ما أذكره منها... ليست الثورة مأدبة أو قطف أزهار أو تطريز ثوب... إنما الثورة أنتفاضة وعمل عنف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى.
يضاف إلى ماكان قد ذكره أحد رفاقه.. المناضل محمد نور موسى.. متعه الله بالصحة والعافية من أنه فى ذروة الخلافات والصراعات فى الثورة كان الشهيد قد تم تكليفه بحوار وإقناع كثير من المناضلين المتحفظين والرافضين لدخول الميدان ونجاحه فى ذلك.
أكثر ما لاحظته فى الشهيد فى تلك الفترة من نهاية الستينات حرصه الشديد على عدم الحديث عن عمله أو مهامه أو أخبار المناضلين الآخرين. فى المنزل وبعد الغداء مباشرة ومع تناول الشاى كان من يتواجد من المناضلين يدخل فى دردشة عن أوضاع الساحة وقتها ومعلومات عن الشباب الذين ألتحقوا بالجبهة من المدن المختلفة ...الخ ولم يكن يشارك فى مثل هذه الأحاديث بالرغم من موقعه كمفوض سياسى للمنطقة الثانية ومشاركته فى كل اللجان التى شكلت فى تلك الفترة.
أما بالنسبة للنشاط فقد كان مثل النحلة... دائم الحركة.. حتى أنه لا يستقر فى مكان واحد لمدة ساعة... قراءة قليلا... كتابة بعض الملاحظات ربما للتوثيق... القيام بحركات رياضية متعبة يشجعني على القيام بها مفيدة للصدر.
أتذكر جيدا أنه كان قد بدأ الكتابة عن الشهيد آدم أبكر الذى كان معه فى المنطقة الثانية وأستشهد فى معركة حلحل وكنت أتمنى أن أحصل على هذه الوثيقة وغيرها... ولم يعرف إذا كانت وثائقه معه فى الميدان أم أنه تركها مع أغراضه فى كسلا أو القضارف... وبعد إستشهاده سلمتنا الجبهة ساعة يده فقط مع توضيح أن الوثائق تابعة للتنظيم.
من جديته فى التعامل أنه كان قد أعجب بشابة اغورداتية تعرف إليها فى كسلا وخطط للإرتباط بها .قبل أشهر من أستشهاده كنت فى الخرطوم وقدم هو فى مهمة أليها كما يبدو وكان يقيم فى فندق الخليل بالسوق العربى. زرته هناك وبعد أن أنهى كتابة تقريره طلب منى مرافقته ألى أقارب الشابة فى إشارة إلى جدية التعامل... وذهبنا بالفعل ... إلا أن القدر كان أسرع.
دلالة أخرى على الجدية والالتزام والحرص أن والدته أم محمد كانت قد اصطحبت كبرى حفيداتها نزيهة محمد يرحمهم الله جميعا فى زيارة إلى كسلا والقضارف حيث إقامة إبنتها فاطمة. بعد فترة من الإقامة فى كسلا قررتا الذهاب إلى القضارف مع توصية لى بإنه فى حالة دخوله إلى كسلا من الميدان ولا مجال له للقدوم إلى القضارف أن أتصل بهما لتتمكنا من العودة للقائه.
أول استجابة من رفاق الشهيد جاءت من المناضل إدريس حمداى أنقلها كما هى...
بعد المؤتمر الوطنى الأول تم أختيار الشهيد محمود عضو اللجنة التنفيذية مسؤولا عن مكتب الشؤون التعليمية.
فى العام 1972 أعلن المجلس الثورى الحرب الأهلية ضد قوات التحرير الشعبية وقوات التحرير الإرترية عوبل.
وبينما كنا الشهيد شكيني وانا نعقد إجتماعا جماهيريا فى منطقة سبر وصلتنا رسالتا توجيه بإن يتجه محمود إلى الساحل برفقة الشهيد عبدالقادر رمضان وان أتجه أنا إلى بركة.. تكرريت.
ودعنى الشهيد شكيني بالقول... ود حمداى مع السلامة... سلم على كل المناضلين جبهة التحرير الارترية.
ما كان ينبغى للمجلس الثورى أن يعلن الحرب الأهلية بدل إجراء الحوار.
اشترك الشهيد شكيني فى معركة دارت فى الساحل وبعد إنسحاب قوات التحرير أطلقت رصاصة من جانبهم أصابته وكان معه المناضلان تسفاى تخلى وإبراهيم توتيل.
إنتهت شهادة المناضل حمداى.
مع ملاحظة أنه كان هناك تحفظ كما ورد فى الشهادة على إعلان الحرب الأهلية أو التصفية كما كانت تسميها الجبهة إلا أنه كان هناك إلتزام بقرار القيادة.
لدقة يجب العودة إلى قرار المؤتمر الوطنى الأول والتفويض الذى منح للقيادة حول التعامل مع مسألة الوحدة الوطنية.
المناضل إبراهيم محمد على عضو المجلس الثورى حينها... متعه الله بالصحة والعافية.. أشار فى كتابه عن تفاصيل لتلك الفترة لا تحضرنى الآن يمكن العودة إليها.
هناك تطابق فى الشهادة مع ما كان قد ذكره لى مرة شقيق الشهيد إدريس ابراهيم محمد سعيد قريش متعه الله بالصحة والعافية عن وجود المناضل توتيل مع الشهيد شكيني فى لحظاته الأخيرة علما بإن توتيل كان مصرا على اللقاء بوالدة الشهيد شكيني وعماته فى منزلنا بكسلا فى طريق عودتهن من القضارف بعد إنتهاء أيام العزاء هناك.
أود أن أشير هنا إلى أمر مهم وهو التوثيق... كتابة المناضلين لسيرهم الذاتية مطلوب بشدة حفظا لتاريخ نضالهم ورفاقهم... لكن المطلوب من الجميع التعاون فى إكمال هذه الجهود بطباعة هذه الكتب.