المختطاف الشيخ/ محمد إبراهيم عثمان حاج إدريس عبدالله شيدلي
بقلم الأستاذ: محمد صالح ارها - أبو الحسن
سيرة معتقل الشيخ العالم الجليل/ محمد إبراهيم عثمان حاج إدريس عبدالله شيدلي.
ولد الشيخ محمد إبراهيم في منطقة دعروتاي ”قرية عد شيدلي“ الواقعة في الجنوب الغربي من مدينة حقات وكان ذلك عام 1355 هـ الموافق 1929م.
نشأ الشيخ في قريته نشأة كريمة بين أبويه وعشيرته محبوبا، وكان منذ نعومة أظافره نابغا متفوقا على أقرانه.
وقد أهتم به والده مبكراً فقرأ عليه القرآن الكريم وأتقنه على يديه، وسبق أن حفظ والده القرآن الكريم وجوده على مشايخ منطقة ود حاشي بالسودان.
أخلاقه:
وكان الشيخ: محمد إبراهيم دمث الأخلاق طيب المعشر طلق الوجه حلو الحديث تسبق بسمته قوله؟، تتخلل أحاديثه الطرف سخي اليد في العطاء، حاد الذكاء، حاضر البديهة، قوي المنطق والحجة، فصيح اللسان متسلسل الأفكار، يأسر القلوب عند سماع حديثه، دقيق النظر، عميق المعرفة بعوائد الشعوب، لا يمله جليس، ولا يسأمه أنيس، كريم النفس محبوباً لدى جلسائه وأنصاره، تعلوه الهيبة والوقار، قوي الشخصية، ذا عزيمة وإصرار، وإرادة لا تعرف التردد ولا التواني.
تعليمه:
وبدأ الشيخ تعليمه على يد والده بقراءة القرآن الكريم، ثم مع شيخ قريته الشيخ: إبراهيم على إزاز رحمه الله.
وبعد أن أخذ الشيخ قسطا من التعليم في مسقط رأسه على يد والده وشيخ قريته” قصد أن يشد رحاله إلى طلب العلم، خارج قريته، بل وخارج دولته” حيث واصل تعليمه في كل من كسلا ودنقلا في الشمالية ثم انتقل إلى أم درمان والتحق بمعهد أم درمان العلمي، وكانت له بجانب مواد المعهد متابعات في الحلقات العلمية في الفقه والتفسير واللغة العربية، كما كانت له في نفس الوقت مراجعة في حفظ القرآن على مشيخة أبو حراز، وقد منحته هذه المشيخة إجازة في حفظ القرآن الكريم وعلومه، وغيرها من الأماكن
ومما ساعد الشيخ: محمد إبراهيم في مواصلة تعليمه ورغبته الشديدة في تحصيل العلم والصدق والإخلاص والعزيمة القوية، بجانب حفظه السريع وذاكرته القوية وذكائه الشديد وفهمه الدقيق وكتابته السريعة وخطه الواضح كل ذلك كان من الوسائل المعينة له في هدفه سواء كان في طلبه للعلم أو تعليمه العلم للناس.
جهوده الدعوية:
عاد الشيخ: محمد إبراهيم عثمان إلى إرتريا وهو يحمل هموم الدعوة والتعليم ونشر العقيدة الصحيحة بين الناس، وفور وصوله بدأ في نشر دعوته يحدوه الأمل في تثبيت قواعد الدعوة، حيث كان الجهل متفشيا بين الناس بصورة كبيرة، ضاربا أطنابه في المنطقة طولا وعرضا لكن قوة إرادة الشيخ: محمد إبراهيم ورغبته الشديدة في نشر الدعوة والتعليم والإخلاص في ذلك كان فوق تلك العقبات كلها، فبدأ الشيخ دعوته مستعينا بالله بتنظيم حلقات العلم مع أفراد قليلي العدد هنا وهناك.
يعلمهم العقيدة وبجانب ذلك الأحكام الفقهية وسائر محاسن الدين، ثم أخذت تلك الحلقات تنتقل وتتسع حتى شملت كل من أغردات وأسمرا ثم أختار لدعوته مدينة منصورة لتوسطها، وللكثافة السكانية في المنطقة حيث إنها تقع على حافة وادي بركة الشمالية وهي تابعة لمحافظة أغردات، وبذلك استطاع أن يبدأ دعوته مركزا في منطقة منصورة، وبدأ بالحلقات والوعظ والإرشاد، ثم أسس بها معهد المهاجرين والأنصار في سنة 1390هـ الموافق 1970م لتعليم الصغار من أبناء المنطقة، بالإضافة للخلوة النموذجية التي كانت تابعة للمعهد، وكان طلاب الخلوة الدفعة الأولي التي أفتتح بها معهد المهاجرين والأنصار، وهم ممن حفظ أو قارب الحفظ في هذه الخلوة. وكانت دفعة مميزة في جميع مراحل تعليمها إلى أن تخرجت في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ثم تلتها دفعة أخرى من المعهد ذاته، وكانت تضاهيها اجتهادا وهمة، وكلا الدفعتين قد سجلتا، شرفا عظيما لمعهد المهاجرين والأنصار في محيط الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وفي العمل الخيري والدعوي فيما بعد.
هذا وإن ظروف الحروب التي مرت على إرتريا لم تسمح بتتابع دفعات من المعهد بعد ذلك.
وبناءًا على ما ذكرنا أن الشيخ: محمد إبراهيم شيدلي بذل جهودا كبيرة بلا كلل ولا ملل، في تلك المنطقة، ونحن إذا قيمنا عمله الدعوي والتعليمي نعتبره بمثابة مجدد في منطقة منصورة وما حولها وذلك بتبنيه التعليم والدعوة، وطرحه للإسلام نقيا ناصعا ”عقيدة، وعبادة“ وكيف لا يكون مجددا ونحن نراه قد رفع بإذن الله تعالى أهل تلك المنطقة وما جاورها من درجة الصفر إلى درجة تحملوا فيها بأعباء ومسئولية هذا الدين العظيم ونشر الدعوة في المنطقة.
العقبات والمشاكل التي واجهت الشيخ في دعوته:
إنه من سنة الله في خلقه أن يكون لدعوة الحق أعداء يكيدون لها ويتربصون بأهلها الدوائر وهذه حقيقة ثابتة بلا مرية يجب أن نضعها نصب أعيننا وقد قال الله تعالى في ذلك: ”الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ“ وانطلاقا من هذه الحقيقة ندرك تماماً بأن كل من يؤمن بالله ثم يدعوا إلى توحيده بنية صادقة، ويحاول أن يغير من واقع المجتمعات التي تفشى فيها الجهل والخرافة والبدع ينصب له العداء والمكر ومحاولات الانتقام ويشتد به البلاء، فمن هؤلاء كان الشيخ: محمد إبراهيم نحسبه كذلك والله حسيبه قد أوذي كثيرا، في سبيل هذه الدعوة، حيث سجن وطرد عدة مرات من قبل السلطات الأثيوبية.
ثم من قبل حزب العمل في جبهة التحرير الإرترية حيث قامت الجبهة بإغلاق المعهد في منصورة وصادرت مبانيه، وحولته إلى سكنات لجيشهم بعد أن حطموا اللوحة التي كانت في واجهة المعهد، وكان ذلك عام 1980م. كما سجنته جبهة التحرير الإرترية مرتين إحداها عام 1972م والثانية عام 1976م في منطقة ”مقراييب“. في فترة هيمنة حزب العمل الشيوعي على الجبهة.
ثم جاء دور الجبهة الشعبية وكان أعظم جرما حيث قامت الجبهة الشعبية بأخذ طلاب المعهد في عام 1983م قهراً بحجة التجنيد الإجباري وقتلت أحد المعلمين أثناء المداهمات وهو الأستاذ الأمين عثمان حامد وجرحت عدداً كبيراً من الطلاب وهذا قليل من كثير.
وأخيرا جاء دور حكومة الشعبية حيث غيبت هذا الشيخ من الوجود الذي أفنى حياته لتعليم أبناء إرتريا بدل أن يكرم لما قدم حث اعتقلته حكومة الشعبية عـــام 1993م ولا يزال مفقودا حتى الآن نسأل الله أن يفك أسره وأسرى جميع المسلمين ويردهم سالمين، كما نسأل الله أن يبارك في دعوته وجهوده ويرفع قدره في الدنيا والآخرة وأن يحفظ دينه ويعلى كلمته إنه سميع مجيب.
هذا بالاختصار وسننشر جهد الشيخ في حلقات قادمة إن شاء الله وسير معاونيه المسجونين.
ومهما قلت يعلم الله إن الشيخ لا أفي بحقه أبدا.