المختطاف الأستاذ/ عثمان على جامع إزاز
بقلم الأستاذ: عبد الرحمن بخيت محمد نور
سيرة معتقل عثمان على جامع إزاز: متزوج واب ترك أطفال صغار مازالوا حتى اليوم ينتظرون طلعته البهية.
احترف الزراعة مع ابيه، وهي مهنة الأجداد بجانب الرعي، وكان يدخل مدينة كرن لتسويق منتجاتهم الزراعية التى كانت تغطي حاجة اهل مدينة كرن من الذرة، والخضر، والفاكهة، وكانت كرن المدينة التجارية الوحيدة لهم حيث يشترون منها حاجياتهم الأساسية. كان فك الله اسره رجلا كريما يحمل الينا في كل زيارة من زياراته ما تيسر من المنتجات الزراعية.
طلب العلم:
بالرغم من عمله الشاق في القطاع الزراعي أدرك ذلك الشاب أهمية العلم ووجد من والده التشجيع للازم لتلقي بعض العلم. كما نعلم فإن الريف الاريتري كان في ذلك الوقت لا توجد به مدارس تعليمية وعليه كان على الراغبين في التعليم الذهاب إلى أقرب مدينة. معهد عنسبا وازينتت الإسلامية تحت رعاية وإدارة الشيخ الجليل/ محمد علي زرؤوم... كان إحدى المعاهد الدينية البارزة في مدينة كرن والتي كان يقصدها معظم سكان إقليم عنسبا وخصوصاً من الريف الارتري. لقد قرَّره عثمان علي جامع الالتحاق بمعهد عنسبا، وكان ذلك على ما أذكر في العام 1977م في عمر متقدم نتيجة للأسباب ذات الصلة بطبيعة الظروف المعيشية عند المزارعين. لقد إنضم عثمان علي جامع إزاز ومعه عدد من مختلف ضواحي كرن إلى الصف الأول في معهد عنسبا. أنا وبعض زملائي من مدينة كرن كنا الأصغر سناً إذ كان معظم الطلاب كانو فوق العشرين ومع فوارق السن كانوا يتعاملون معنا برقي وإحترام كما هو حال كل أبناء الريف لما يتمتعون به من جمال الخلق وحسن السلوك.
الأستاذ عثمان وآخرين يمكثون معنا في مدينة كرن طيلة الأيام الدراسية، من يوم السبت على ما أذكر حتى يوم الأربعاء وفي نهاية الاسبوع، أي في العطلة الإسبوعية كان معظمهم يعدون إلى أهاليهم في كل من حملمالو وباشري وذلك ليس للإستجمام والنقاهة، بل لمساعدة أهاليهم في الزراعة وهذا كان عبئ إضافي مقارنة بأبناء المدن. في كثير من الأحيان كنت ارافقهم في سفرياتهم الجماعية الممتعة من وإلى كرن، البعض يغني والبعض يتحدث في جمال الطبيعة، كانت أيام من الماضي الجميل. إستمر الحال على هذا النحو حتى تحرير مدينة كرن من قبل الجبهة الشعبية ومن ثم عودة الدرق في نهاية السبعينيات الى مدينة كرن وبعض المناطق المحررة وفي كلا الحربين نزح معظم سكان كرن إلى الريف وهكذا فعلنا نحن أيضا إذ ذهبنا إلى حملمالو دون رفقة والدي رحمة الله عليه إذ رفض مغادرة المنزل وطلب من عثمان الشهم والمقدام بمرافقتنا وقام الشهم المقدام عثمان كما عودنا دوماً بترتيب الرحلة تحت وطأة القصف وتحت ظروف خطرة وتمكن من الوصول سالمين إلى حملمالو.
يسترخص حياته لخدمة الآخرين:
قبل مغادرتي لمدينة كرن متجهاً الى السودان ارادت والدتي رؤية أخي الأكبر الذي كان آنذاك جندياً في الجبهة وإن ترتيب تلك الزيارة في تلك الاجواء المتوترة لم يكن سهلاً ولكن الاستاذ (عثمان) ذهب إلى المنطقة التي كان يتواجد فيها أخي مغامراً بحياته وأحضره بعض عبور مناطق عديدة كانت تتواجد فيها قوات الإحتلال بكثافة. غادرت مدينة كرن ظناً مني بأن الرحلة لن تطول.
ذهبتُ الى السودان وإنقطع التواصل بيننا وذات يوم جاء الاستاذ عثمان إلى مدينة كسلا في زيارة خاصة وكان ذلك على ما أذكر في العام 1983 وسعدت بلقياه ولم يدم اللقاء طويلاً وكانت تلك الساعة هي الأخيرة التي شاهدته فيها إلى أن بلغني خبر اعتقاله في العام 1994م والذي تلقيته كالصاعقة إذ أن الاستاذ/ عثمان لم يكن له أي إهتمام بالعمل السياسي ضد الشعبية أو ضد الدرق من قبلهم ولكن الجبناء رأوا في عثمان وغيره من أبناء ارتريا الشرفاء خطراً يجب ازاحتهم حيث كانو هؤلاء يمثلون في ذاك الوقت النخبة الواعية في المجتمع وإن تحقيق مشروع نحن واهدافنا بوجود هؤلاء سيواجه تحديات صعبة. اليوم وبعض مرور عشرون عاماً على إعتقال عثمان علي جامع إزاز وزملائه من المعلمين أشعر بالتقصير من جميع أبناء المجتمع الاتري تجاه هذه القضية الإنسانية المؤلمة بكل تفاصيلها حيث سيظل ملف الأسرى وصمة عار على جبين المجتمع الذي لم ينهض ولم يستنفر عندما كان ذلك ضرورة تفرضها القيم وروابط الإخوة والوطن. مسلسل الجريمة مستمر بكل اشكاله والوطن بأسره ينزف دما والمعنيون في حالة صمت! هذه السطور المتواضعة آمل أن تعطي للقارئ العزيز جزء ولو بسيط عن عثمان الانسان، عثمان المعلم، عثمان المزارع. أمل من الله أن يعود عثمان وجميع المعتقلين إلى ذويهم سالمين.