تم اختطاف والدي الأستاذ/ محمد عمر حمد سلمان عمر
بقلم المناضل الأستاذ: حامد سلمان - كاتب وناشط سياسي إرتري
في مساء 24 ديسمبر 1994م تم اختطاف والدي محمد عمر حمد سلمان عمر، من منزلنا في إرتريا
ضمن حملة الإعتقالات الجماعية الممنهجة التي شملت المعلمين وأعيان المجتمع ومناضلي جبهة التحرير الإرترية وأعضاء البرلمان في معظم المدن الإرترية، حيث أرسلت حكومة الديكتاتور إسياس أفورقي عصابات همجية مسلحة داهمت المنازل وحطمت الأبواب وقفزت فوق أسوار منازل الأسر الآمنة وروعت الأطفال والنساء واختطفت الرجال وأخفتهم قسرا حيث لم يظهر لهم أثرُ بعد ذلك.
آخر مرة شاهدت فيها والدي عندما كنت في السادسة عشر من عمري واليوم تجاوزت الأربعين، ومازال خيط الأمل حاضرا رغم مرور السنين.
أكبر درس تعلمته من هذه التجربة المريرة هو أن الأمل كفيل بالحفاظ على رباطة الجأش لفترة طويلة، الأمل بغدٍ أفضل هو ما يجعلنا ننتظر اليوم التالي لعله يأتي بجديد، وإن لم يأت بجديد فاليوم الذي يليه وهكذا، ولكن مع طول أمد السنين يتسلل اليأس إلى القلوب قطرة بقطرة ويتلاشى الأمل وتتحول المخاوف إلى حقائق شبه مؤكدة، إلا أن تأكيدها لا يكون متاحا إلا بالعثور على الضحايا سواءا كانوا أحياءا أم أمواتا، وهو الأمر الذي تنتظره أسر الضحايا.
إن قضية الإختفاء القسري في ظل نظام الحكم المستبد في إرتريا ليست قضية ثأر شخصي وإنما هي قضية مجتمع كامل وقع أسيرا لمعانات طويلة فاقت في طولها ومرارتها كل التوقعات، فبعد ما يقرب من ثلاثين عاما من استقلال إرتريا انحدرت أوضاع الشعب الإرتري ووصلت مرحلة يندر أن تجد فيها أسرة إرترية واحدة ليس من بين أعضاءها من اختفى قسرا أو مات قتيلا تحت التعذيب في سجون النظام.
لو كان أقرباء وأصدقاء ضحايا الإختفاء القسري في إرتريا يدركون أن غياب أحباءهم سيكون اختفاءا أبديا لما تركوهم يذهبون وكانوا سيختارون الموت دونهم، وحتى الضحايا أنفسهم لم يكونوا ليذهبوا بهدوء برفقة القتلة لو أنهم كانوا على علم بما سيحل بهم داخل سجون النظام، ولكنه الأمل الكذوب الذي تزرعه أجهزة النظام في عقول المساكين بأن الحكومة لا يمكن أن تذهب بعيدا في قسوتها، وبأن الحكومة لا تقتل الناس وإنما تأخذهم لفترة محدودة ثم تعيدهم طلقاء ليعودوا إلى الحياة من جديد.
وبما أن لكل شيئ في الحياة نهاية فإن المعانات الكبيرة التي ظل يقاسيها ضحايا الإختفاء القسري وعائلاتهم وأصدقاءهم ومعارفهم في إرتريا ستكون لها نهاية دون شك، ربما يموت المجرم دون أن تتاح له فرصة للإعتراف بجرائمة وربما يجد نفسه مجبرا على الوقوف مطأطئ الرأس أمام ضحاياه كما حدث في العديد من التجارب المماثلة، مع العلم بأن بعض أدوات الإجرام من الجواسيس والمخبرين ومنسوبي عصابة القتل والإجرام سبقوا ضحاياهم إلى حفرة القبر، وربما واصلوا طريقهم إلى حيث جهنم.
دعوات من القلب لجميع أسر ضحايا الإختفاء القسري في إرتريا بأن يمدهم الله بمزيد من الصبر والعزيمة، وكل التمنيات بأن يكون العام 2019م عام فرح وسرور وحرية وانعتاق للشعب الإرتري، وأن يكون هذا العام هو نهاية المطاف لعصابة القتل والإجرام في إرتريا.