ارتريا للإرتريين... فلندرك الوطن قبل فوات الأوان

بقلم الأستاذ: محمد عمر عبدالقادر - كاتب ارتري

ارتريا للإرتريين إن كان بالأمس إسما لحزب سياسي وطني يصطف بجانب الأحزاب الوطنية الأخرى،

حين تنادي ثلة من الآباء الأوائل مؤسسي الحراك السياسي مجموعة الكتلة الإستقلالية، لنيل ارتريا الإستقلال الكامل ورفع الظلم عن الشعب الإرتري، فاليوم يصلح لأن يكون شعارا لهذه المرحلة المفصلية في تأريخ الدولة الإرترية، ما أشبه اليوم بالبارحة حين ألقموا الحجر في أفواه الرجرجة والدهماء ممن كانت لهم الرغبة في الإندماج مع إثيوبيا للتشابه اللغوي والثقافي والديني حسب زعمهم، وأن سكان المنخفضات الشمالية والغربية لايمكن التوافق معهم نظرا للتباين الجوهري في كل ما يمكن أن يكون سببا للوحدة والتعايش داخل القطر الإرتري الواحد، وكذا الأطماع غير الخفية في الساحل الشرقي وسهول دنكاليا بعد إفراغها من أصحابها دون مراعاة لتأريخهم وأرضهم التي ورثوها كابر عن كابر منذ الأزل.

المتتبع لمسيرة التكتلات التي ترفع شعارات براقة بغرض التمويه وتنشط في اواسط الأخوة سكان المرتفعات الإرترية خاصة الجنوبية منها، متناسون أن هذه المناطق تتشارك فيها معهم قوميات أخرى منذ مئات السنين، هذه التكتلات استطاعت خلال بعض الفترات من أن تجد التعاطف من قبل شريحة شبابية مغرر بها مستخدمة وسائل التواصل الإجتماعي لبث سمومها، ولكن رب ضارة نافعة فالحرب الإثيوبية - الإثيوبية بين الحكومة الفدرالية وجبهة التقراي، كشفت خبث نواياهم وعرت خطل أفكارهم وأظهرت اجنداتهم الخفية والمخادعة للإضرار بالدولة والشعب الإرتري، إذ كانت الحرب سببا للتوغل أكثر في خزعبلاتهم لعلهم يخدعون المزيد من الشباب ولكن هيهات فقد انقلب السحر على الساحر وانفض السامر من حولهم بعد الفشل الذريع في إستقطاب الشباب الذي تنبه لأنشطتهم المشبوهة.

الوضع الإقتصادي والسياسي في دولة ارتريا واضح وجلي لكل من يتابعه عن كثب، وأن المآلات ستكون نتائجها وخيمة على وحدة التراب الإرتري إن لم يتم تدارك ذلك قبل فوات الأوان، وأعتقد أن الوقت ما زال مناسبا ما لم يقع أمر الله وذلك برحيل رأس النظام الحاكم قبل ترتيب البيت الإرتري من الداخل.
إن رحيل رأس النظام قبل تنظيم الهياكل الإدارية المطلوبة والاتفاق حول نظام حكم متفق عليه وتكوين السلطات الثلاث والفصل بينها بشكل واضح وصريح، سيجعل الكرة في الملعب ويتقاذفها الجميع دون أن يكون هنالك قانون منظم للعبة وحينها الكل سيطمح ويطمع في إعتلاء الكرسي متكئا على قوميته أو مجموعة عسكرية تأتمر بأوامره دون النظر للإمكانيات الواجب توفرها لإعتلاء المنصب الرفيع الذي يمثل سيادة الدولة وكبرياءها، وقد يؤدي الأمر إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، حينها سنحتاج إلى شخصية وطنية عقلانية متوافق عليها للخروج من النفق المظلم إن كنا من ذوي الحظ العظيم وإلا سندخل في حالة من التيه غير معلوم المدة، علما بأن التوافق سيكون مستحيلا في ظل الإستقطاب والإستقطاب المضاد، كما سيُنظر إلى أي شخصية وطنية بعين الريبة والشك مهما كانت نزيهة.

دون الذهاب بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط، الصومال، العراق، اليمن، سوريا، ليبيا، السودان دول كانت ملئ السمع والبصر ولكن نتيجة لأخطاء الحكام تدحرجت إلى أشباه دول وأصبحت ساحة لتصفية الحسابات بين الدول، ومرتعا خصبا لكل مخابرات العالم.

المؤسف حقا مشاهدة ارتريا وهي تنزلق إلى هذا المنزلق الخطير، وهي التي كان الأجدر بها أن تكون في مصاف الدول ذات الإقتصادات الناشئة ونظام سياسي مستقر لما تمتلكه من ثروات إن أُحسِن إدارتها، وأيضا لإنصهار مكونات الشعب الإرتري في بوتقة واحدة نتيجة النضال المشترك، وأن الأرضية كانت صالحة ومهيأة للإستقرار والنماء ليعيش الإنسان الإرتري حياة كريمة داخل دولته بعد طول عناء ويستريح الجميع من كان مناضلا في الثورة أو لاجئا في المنافي.

إن الأمر الجلي هو أن الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا سابقا، والجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة لاحقا، لم يكن لديها الرؤية الواضحة لمآلات الأمور بعد التحرير، ولم تكن على إستعداد لإدارة الدولة، وكذلك لم ترغب في التعامل مع التنظيمات السياسية الإرترية بل تم إذابة كل من عاد إلى الوطن داخل الجبهة الشعبية أو الإدارات الحكومية في وظائف لا تتسق مع إمكانياته.

من خلال وقائع إدارة الدولة بعد التحرير، يتلاحظ أن الجبهة الشعبية تفاجأت بوتيرة تسارع تحرير المدن، خاصة بعد الإنتصارات الكاسحة في جبهة نادو إز وتحرير مدينة أفعبت في مارس 1988م، ونظرا للغنائم الكبيرة والعتاد الضخم الذي تحصلت عليه من تلك العملية وكذلك إنهيار الروح المعنوية للجيش الإثيوبي علما بأنها كانت الجبهة الأقوى لدى الدرق من حيث القوى البشرية والعتاد العسكري بما فيه من استشارات مباشرة من السوفيت الذين تم أسر بعضهم وهروب البعض، أعقبته بمعركة خاطفة في عملية فنقل وتحرير ميناء مصوع في فبراير 1990م، ففقد جيش الدرق ما تبقى من معنوياته وأضحى تحرير كامل التراب الإرتري مسألة وقت لا أكثر والذي تحقق في مايو 1991م.

الفترة من مايو 1991م حتى مايو 1998م، لم يتم الإستفادة منها بالصورة المثلى إذ كان ينبغي ترتيب أوضاع الدولة دون الإنبهار بالإنتصارات المحققة في أرض المعارك، وذلك للإختلافات الكبيرة بين ميادين القتال وميادين إدارة الدول، خاصة تلك الخارجة من أتون حرب ضروس كالحالة الإرترية، وأيضا متطلبات شعب مرّ بصعوبات جمّة من كان منهم في الأراضي المحررة أو المدن التي كانت تحتلها إثيوبيا حتى فجر التحرير.

إن التشتت والتشرذم التي تعاني منه الساحة الإرترية بشقيها السياسي والمجتمعي ناتج عن إنعدام رؤية وطنية وسياسية لمستقبل دولة ارتريا، وهو السبب الرئيسي لإحتضان التقراي لكل من يتبنى رؤية تقراي تقرنيا ودعمه ماديا ومعنويا من أجل شق الصف الإرتري وزيادة الهوة التي وضع حجر أساسها الأقعازيان وخلق سيناريوهات وهمية يصعب الإتفاق حولها داخل القومية أو الطائفة الواحدة وهي حالة تجعل المرء مشوش الذهن، فاقدا للبوصلة، داخلا في نفق مظلم لا تلوح له نهاية منظورة في الأفق، كما يفتح الباب على مصراعيه لبقية القوميات بتبني توجهات مضادة دفاعا عن النفس مما يجعل التوافق مستحيلا لإنعدام الثقة المتبادلة والكل يتربص بالكل للولوج نحو حالة من الفوضى الخلاقة.

ارتريا للإرتريين، شعار يجب تبنيه بعيدا عن التكتيك السياسي، بل يجب أن يكون استراتيجية وطنية فالوطن يضيع أمام أعين الجميع، إذ أن الحزب الحاكم المتشبث بالسلطة والأحزاب المعارضة له الهائمة في مشارق الأرض ومغاربه دون أي فاعلية ملموسة على أرض الواقع وتفردها في الإنبثاقات المتتالية، كلما أطل علينا فجر يوم جديد نسمع ونرى تحالفا جديدا يعكس حالة عدم التوافق على قاعدة مشتركة ينطلق منها عمل التنظيمات المعارضة، عليه فالجميع أمام مسؤولية تأريخية للحفاظ على ما تبقى من كرامة الإنسان الإرتري المهدرة في المنافي والوطن وسيادة الدولة المنتقصة يوما إثر آخر، في عالم تتحكم فيه قوى ظالمة لا يستهويها الإعمار إن كان خارج تكتلها أو من يرفض الإذعان لأوامرها، بقدر السعي بقوة لزرع الفتنة والشتات، وإيقاد نار الفتنة الطائفية التي يصعب إخماد أوارها في المجتمعات ذات التركيبة المتعددة، والبحث عن التباين داخل المجتمع الواحد واستغلاله للإضرار بوحدة المجتمع وتماسكه.

إن كان في السابق تم تبني سياسة الميدان لا يستوعب سوى تنظيم واحد، فالآن نحن في حضرة وطن، والوطن يَسِعُ الجميع.

الحكومة الإرترية والحزب الحاكم عليهم التفطُن وهم يشاهدون ما آلت إليه أوضاع دول المنطقة، وحتى لا يضيع نضال الشعب الإرتري سُدا، فالشعب الإرتري ليس لديه من يبكيه وينظم أوراقه حين تختلط، أين الصومال الذي تم فيه إفتتاح أول مكتب للثورة الإرترية تحت مسمى جمعية الصداقة الإرترية الصومالية، وأين سوريا التي دعمت الثورة بالسلاح وتدريب الكوادر، أين اليمن الذي كان ساحة للإلتفاف ونقل السلاح وأين السودان الذي كان الخلفية الداعمة لنضالات الشعب الإرتري رغم بعض المصاعب، لذا فالتحرك اليوم ليس كما الغد، إذاً على الحكومة والحزب الحاكم التحلي بالشجاعة والمسؤولية وتنظيم مؤتمر جامع يشارك فيه الجميع بلا استثناء يتم فيه التوافق على صياغة قانون تنظيم النشاط السياسي الذي يتوجب فيه الوضوح والصراحة حول التكتلات القائمة على القومية والدين، كما يجب تفعيل الدستور المجمد وإدخال التعديلات المطلوبة إن كان بحاجة لذلك، والبت بصورة عاجلة في أوضاع السجناء السياسيين.

ارتريا وشعبها بحاجة إلى من يستمع لأنينهم، للتحرك بكل تجرد ونكران للذات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، فالأوضاع البائسة فوق التصور، لذا فليسعَ الجميع لكتابة نهاية فصل معاناة الوطن والمواطن، ولنتسامى فوق كل المظالم ونفتح صفحة جديدة ونجنب البلاد والعباد ما هو أسوأ، إرتريا تستغيث فهل من مغيث.

التعليقات  

Mohammed Juma Ashka
#Mohammed Juma Ashka2022-03-19 12:05

تحياتي لك الاخ محمد عمر عبدالقادر
علي هذه الملاحظة القيمة لا اعتقد من مجيب لهذا النداء
اتمني ان يجد ما كتبته اذانا صاغية خاصة من جانب النظام هو حاليا منهمك في الحرب ضد التقارو
رد
Top
X

Right Click

No Right Click