كيف أصبحت الرياضة في إريتريا فرصة للهروب من التجنيد الإجباري

بقلم الأستاذ: محمد عبدالعظيم المصدر: في الجول

إريتريا، دولة تقع في شرق إفريقيا، نالت استقلالها الرسمي بعد الانفصال عن إثيوبيا في 1993،

هروب من التجنيد الإجباري

نظامها تصنفه منظمات حقوق الإنسان أنه من الأقمع في العالم، خاصة إخضاع المواطن لتجنيد إجباري غير محدد المدة.

التجنيد في إريتريا يفرض على الشباب بين سن 18 و40 حسب قانون الدولة، تكون مدته عام ونصف.

لكن الواقع مختلف في التطبيق، إذ يستمر التجنيد على الشباب لسنوات وسنوات دون نهاية مما جعل إريتريا من أكبر دول العالم التي تسجل سنويا حالات طلب لجوء سياسي للدول الأخرى سواء في إفريقيا أو أوروبا.

فبحسب إحصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، 3000 مواطن إريتري يفرون شهريا من بلادهم والسبب واحد، التجنيد الإجباري.

أزمة التجنيد الإجباري في إريتريا ألقت بظلالها على الرياضة، فتحولت المشاركة في المحافل الدولية فرصة للاعبين للهرب من نظام التجنيد الإجباري باللجوء السياسي للدول الأخرى.

يصحبكم Filgoal.com في رحلة اكتشاف أبرز حالات الهروب الجماعي التي حدثت في الرياضة الإريترية.

"لن تنتهي خدمتك في الجيش إلا إذا فقدت أحد أطرافك الأربعة أو لديك مرض مُعد قد يؤذي غيرك".

واين جبريسلاسي

بنبرة حزينة بدأ العداء الإريتري واين جبريسلاسي حديثه لصحيفة "جارديان" البريطانية بعد طلبه اللجوء السياسي لبريطانيا أثناء أولمبياد لندن 2012.

جبريسلاسي، الذي رفع علم بلاده في افتتاح الدورة الأولمبية وبعد مشاركته في سباق عدو لمسافة 300 متر والذي احتل فيه المركز العاشر، طلب اللجوء السياسي بعد ما لاقاه من معاملة سيئة خلال أدائه للخدمة العسكرية، وتم الموافقة على طلبه وبقي في إنجلترا ولم يغادر مع بعثة بلاده بعد نهاية الأولمبياد.

بدأ واين جبريسلاسي مسيرة جديدة في إنجلترا وتوج كبطل لأكثر من مارثون مثل مارثون إينفرنيس الذي توج به ثلاثة مرات وفي بداية العام الحالي حصل على الجنسية البريطانية مما يجعله ضمن المرشحين لتمثيل بريطانيا العظمى في أولمبياد طوكيو بعد أن حصل على الضوء الأخضر من اللجنة الأولمبية بالحق بتمثيل بريطانيا رغم تمثيله لبلاده الأصل في أولمبياد لندن 2012.

واقعة جبريسلاسي كانت الثانية للعدائين الإريتريين، ففي 2009 وفي إحدى المعسكرات التدريبية للعدائين في اسكتلندا تقدم 6 عدائين بطلب اللجوء السياسي وهربوا من معسكر المنتخب وحصلوا على حق اللجوء السياسي بعد ذلك بشهرين وانضموا لأندية ألعاب قوى في اسكتلندا وسبق لهم وأن حصلوا على الجنسية البريطانية.

قصص هروب العدائين غيض من فيض مقارنة بلاعبي كرة القدم الإريتريين.

أول هروب للاعبي كرة قدم كانت في فريق البحر الأحمر خلال مشاركته بدوري أبطال إفريقيا 2006.

بعد مباراة الفريق ضد توسكر الكيني، والتي خسرها بنتيجة 4-1، طلب 16 لاعبا اللجوء السياسي لكينيا وتم قبول طلبهم، ولم يغادروا كينيا رغم محاولات إريتريا إعادتهم. منظمة حقوق الإنسان وقفت في جنب اللاعبين.

الهروب الأول في المنتخبات الوطنية:

منتخب ارتريا

عام 2007 وخلال تصفيات كأس الأمم الإفريقية 2008 في مباراة جمعت بين أنجولا وإريتريا وانتهت بفوز الأولى 6-1، تفاجأ مسؤولو المنتخب الإريتري بعد نهاية المباراة طلب 6 لاعبين اللجوء السياسي رافضين العودة إلى بلدهم.

رفضت السلطات الأنجولية تسليم اللاعبين لإريتريا ومنحتهم لجوءا سياسيا، وتشير تقارير إلى أنهم بعد فترة انضموا إلى أندية أنجولية، مفسرة ما حدث بأنه "هروب من التجنيد الإجباري".

البقاء في كينيا ورفض السفر:

منتخب ارتريا

خلال بطولة سيكافا الودية عام 2009 التي استضافتها كينيا، رفض 12 لاعبا من المنتخب الإريتري العودة لبلادهم بعد انتهاء مشوار فريقهم في البطولة، تخلفوا عن رحلة العودة إلى إريتريا.

"هناك 12 لاعبا لا نعرف عنهم شيئا حتى الآن، جميعهم من الفريق الأساسي للمنتخب وشاركوا في البطولة، سوف نعود إلى إريتريا بدونهم وسوف ننتظر أن يحدث جديد في هذا الشأن".

هكذا صرح تسيفاي جيبرسوس رئيس الإتحاد الإريتري حينها عن تلك الواقعة والذي أكد أن اللاعبين أساسيون في المنتخب الأول للبلاد.

عادت طائرة المنتخب الوطني وهي تحمل 8 لاعبين فقط إضافة إلى الجهاز الفني ومسؤولي المنتخب، ومع مرور الأيام والفشل في الوصول إلى هؤلاء اللاعبين تقدم الإتحاد الإريتري بطلب للاتحاد الإفريقي للتدخل في حل الأزمة لكن طلبه قوبل بالرفض.

وقال نيكولاس موسينوا رئيس اللجنة المنظمة للبطولة تعليقا على تلك الواقعة:"فشلنا في الوصول لهؤلاء اللاعبين، يفترض أنهم هنا في العاصمة نيروبي مع بقية المواطنين الإريتريين الذين حصلوا على فرصة اللجوء إلى كينيا".

تواصلت السلطات الإريترية بالتواصل مع الحكومة الكينية لتسليم اللاعبين لكن فشلت تلك المحاولة بعد تدخل منظمة حقوق الإنسان لشؤون اللاجئين وطالبت الحكومة الإريترية بالتوقف عن تعقب اللاعبين.

هروب كبير في تنزانيا وتكراره بعد عامين:

منتخب ارتريا

في عام 2010 وخلال بطولة كيسافا للشباب تحت 20 عاما التي أقيمت في تنزانيا وبعد انتهاء مشوار المنتخب في دور المجموعات اختفى 13 لاعبا ولم يستطع المسؤولون الوصول إليهم وبعد مرور شهر على الاختفاء أصدرت الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بيانا تؤكد فيه سلامة جميع اللاعبين وتواجدهم في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد في ولايتي تيكساس وهيوستن وتم منحهم تصاريح اللاجئين وبدأوا في ممارسة حياتهم الجديدة.

لم يمض سوى عامين فقط لتتكرر الواقعة وهذه المرة في أوغندا وفي نفس البطولة لكن للمنتخب الأول، إذ بعد نهاية دور المجموعات تقدم 15 لاعبا و8 أعضاء من الجهاز الفني وطبيب المنتخب وبعض المسؤولين بطلب لجوء سياسي لدى الحكومة الأوغندية ليتم قبوله ورفضوا جميعا العودة لإريتريا حيث عاد فقط 3 لاعبين.

وقال ابولو ديفيد مسؤول مركز اللاجئين في أوغندا تعليقا على هذه الواقعة: "لقد تحدثت مع كل اللاعبين لمعرفة أسباب رفضهم للعودة إلى بلادهم وأكدوا لي أنهم يخافون من التجنيد الإجباري، حيث يتم أخذهم لمراكز التدريب حين لا توجد مباريات للدوري المحلي هناك. فقط يذهبون للتدرب قبل المباراة بيومين ولعب المباراة والعودة مجددا لمعسكرات الجيش، وافقنا على إعطائهم التصاريح للبقاء هنا وسيتم منحهم فرصة السفر إلى دول أوروبية قريبا بالتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة".

بعد مرور 6 أشهر على تلك الحادثة أعلنت منظمة اللاجئين الإريتريين في أوروبا أن اللاعبين تم مساعدتهم على السفر إلى هولندا وبلجيكا وإنجلترا وأن بعضهم قد حصل على فرصته في لعب كرة القدم في بعض الأندية هناك.

منتخب ارتريا

لم تتخذ إريتريا أي خطوات معلنة للحد من هروب رياضييها، حتى جاءت أزمة مباراة بوتسوانا عام 2015.

بعد مباراة بوتسوانا وإريتريا ضمن تصفيات كأس العالم 2018 والتي حسمتها الأولى 3-1، تفاجأ مسؤولو المنتخب الإريتري بغياب 10 لاعبين في فندق الإقامة، لتبدأ عملية البحث عنهم، قبل أن تكشف الشرطة المحلية أن اللاعبين طلبوا اللجوء السياسي.

في نفس اليوم، خرج سامسون أريفان، وهو أحد لاعبي المنتخب الفارين من المعسكر، للحديث إلى الإعلام في بوتسوانا قائلا: "قررنا اللجوء السياسي بسبب سوء المعاملة في بلادنا وإجبارنا على الانضمام للجيش، نطلب من الحكومة في بوتسوانا حمايتنا وأن تمنحنا تصاريح اللاجئين، لو عدنا إلى إريتريا سنُعدم".

ظل اللاعبون في مركز الهجرة غير الشرعية في بوتسوانا وفشلت إريتريا في إعادتهم، وفي نهاية أكتوبر 2015 مُنحوا تصاريح اللجوء السياسي وانضموا لأندية محلية.

بعد مرور عام على الواقعة تحدث سامسون أريفان مع رويترز عن مستقبل زملائه بعد حصولهم على حق اللجوء قائلا:"حصلنا على فرصة للعب في أندية هنا في بوتسوانا، أنا في نادي فرانسيستون، 4 لاعبين سافروا للعب في هولندا والسويد وبقية اللاعبين لا يزالون هنا ولا نفكر في العودة إلى إريتريا لأن الوضع هنا أفضل".

فرمان حكومي:

تلك الواقعة كانت سببا في قرار حاسم لإريتريا في نوفمبر 2015، وهو حرمان أي رياضي داخل الدولة من تمثيل البلاد في بطولة خارجية، وعوضا عن ذلك، يمثل إريتريا في المحافل الرياضية أي رياضي ولد خارج البلاد لكن يحمل جنسيتها.

شرعت الحكومة في تطبيق القرار ومحاولة التواصل مع الرياضيين الذين تتوافر عليهم شروط تمثيل البلاد ونجحت في جمع بعض الرياضيين في بعض ألعاب القوى، لكن وجدت أزمة لتشكيل منتخب لكرة القدم، فلم توفر عدد كافيا من اللاعبين لتكوين الفئات المختلفة للمنتخبات الوطنية.

هروب مستمر:

ورغم القرار الصارم الذي ألغى فكرة أن يكون اللجوء السياسي منفذا للرياضيين، تكررت واقعة الهروب في أكتوبر الماضي.

خلال بطولة سيكافا تحت 20 عاما التي أقيمت في أوغندا وقبل مباراة نصف النهائي ضد كينيا اختفى 4 لاعبين إريتريين بعد الفوز على زنجبار بخماسية في الدور ربع النهائي. فأثناء الاحتفال بالفوز، غادر الرباعي يوسف ميوئل وهيرمون يوهانس وديبين هينتسياب وسيمون اسميلاش سرا فندق الإقامة.

استمر اختفاء اللاعبين الأربعة لمدة 3 اسابيع وفشلت كل محاولات البحث عنهم ولم يتقدموا بأي طلب لجوء سياسي لأوغندا، إلى أن نشروا فيديو عبر منظمة اللاجئين الإريتريين وقال يوسف ميوئل:"طالبنا منظمة اللاجئين بمساعدتنا عندما قررنا الهرب وقاموا بنقلنا إلى منزل آمن هنا في أوغندا. الآن ننتظر أن ينقلونا خارج أوغندا لأن المسؤولين الإريتريين الذين يعملون في الحكومة الأوغندية يلاحقوننا باستمرار، ولو لحقوا بنا سوف يعيدونا إلى بلادنا ويحكم علينا بالإعدام".

Top
X

Right Click

No Right Click