مواشينا هي عنوان لماضينا تعالوا لنسمعكم حكاوينا

بقلم الأستاذ: عمر نهاري (ابو حسين) كاتب إرتري - لندن، المملكة المتحدة

لما وصلت عُرو للوهلة الاولى من موطنها الأصلي جزيرة دهلك الى البر المصوعي

المنخفضات الارترية 

للبقاء والفناء فيه بعيد عن بقية القطيع الذي تركته في تلك الجُزر بإنسجام وتجانس مع الواقع الجديدة في وقت قياسي بل وتكاثرت وتركت من بعضها نسل استمر في التكاثر حتى جاء يوم الرحيل قسراً لما سأت الأحوال وهجرنا ارض المنبت والمنشئ مجبرين.

عُرو تعني باللهجة المحلية المطعمة بنقاط
سوداء او بيضاء لفروة الجلد وغالبا تطلق
على ذات اللون الاسود مع الأبيض

(عُرو المحبوبة في بيتنا)
تركت اثر وذكريات أليمة لهذا الموت المفاجئ

لهذه المعزة قصة حزينة فهي لم تتعوض في حياة البراري كانت تتجول في أطراف المنزل وتلتقط غذائها مما تجود به طبيعة المنطقة القاسية واستمرت على هذا المنوال تخرج مع شروق الشمس وتعود للمنزل قبل غروب الشمس وفِي كثير من الأوقات كانت تسطحب صغارها حتى يعتمدوا على أنفسهم بدل الحشائش الجاهزة والتي يتم شرائها من الأسواق، فعلاً ام عصامية مكافحة ومعروف لأبناء الحي ولا يقف احد في طريقها والكل يحبها لأنها لا تزعج او تؤذي ممتلكات الغير،
ذات مساء دخلت الدار وهي تصرخ من شدت الألم وكرشها منتفخ ظن الكثير في البيت انها في حالت ولادة لكن لم تكن حامل فكيف فجئة يظهر عليها أعراض المخاض وإخوتي تحلقوا حولها والكل يتألم من اجلها في حالت استغراب و تسأئُل،
نحن نجهل ما اصابها وبحكم انها حيوان غير ناطق يجب اللجؤ الى إنسان ماهر يعرف أعراض المرض ويقوم بحل هذا اللغز،، هرع اخوييا محمد وصالح نحو منزل العم محمود جعفر الخبير في هذا الشأن يمتلك حظائر لتربيت الأغنام وبحكم انه ابن البادية له خبرة في امور المواشي والتعامل معها جاء على عجل تحسس بيديه عُرو ومكان الإنتفاخ الغير طبيعي قائلاً:-

انه تسمم لا شفاء منه قد تناولة أعشاب نبتت في ارض ملوثة بالمحروقة طلب بقلي البون وحاول إسعافها بعد ان سكب كمية من القهوة في فمها حتى تستعيد وعيها لكن تعذر عليه شفائها“،

نظر الى من حوله قائلاً:-

فات الاوان قد تمكن منها السم وقبل ان تلفظ انفاسها تسأل هل تريدون ذبحها قبل خروج الروح اعترض اخي محمد لا كيف نأكل عُرو وجلس يتأملها حتى لفظت انفاسها اجهش عليها باكياً من شدت حُبه لها رفض حتى ان تمسها مخالب الذئاب وحفر لها قبراً ليواريها بمسافة نصف متر امام المنزل وصار اخي محمد يهتم بإبنتها القاصر رمزا ونالت كل الدلال حتى أفسدها ودخلت مرحلة الغرور والاعتزاز وعدم الإقتراب من تيوس الحي تعالوا نغوص معاً لمعرفة اسباب هذا الغرور الإنطواء وعدم الإحتكاك بالقطيع.

تلك المعزة التي كان لها بصمة وسط القطيع بدليل مازلت احمل في ذاكرتي ذكاء تلك الأنثى وإن كانت من فصيل الحيونات لكن بذكائها تميزت ولفتت الأنظار اليها وقد عايشت تأريخها في سن مبكّر من طفولتي وكأنها فرد من افراد العائلة وبحكم الفراغ وعدم وجود أدوات التسلية يفرض عليك الواقع للتعامل مع الأشياء الدقيقة ولربما في وقتنا الحالي تعتبر تافها بالمقاييس الحالية ولا يُعِيْر لها النشئ الجديد بالً لانه يحلق في عالم الخيال مع تلك الأجهزة الألية المتوفرة في عصرهم هذا.

مواشينا:

كانت تحمل رموز واسماء وكأنها جزء من العائلة وهذا قمة التألف والمحبة لمجتمعاتنا المحلية كنا نعطي اهتمام زائد ونوفر لها المساكن وننتدب لها راعي يقوم برعايتها في المراعي كما يتم شراء الغذاء لها اذا سأت الأحوال وتعذر الخروج بها الى أطراف المدينة (الخلاء) بسبب حالت الخوف والرعب الذي زرعه المستعمر في تلك الأثناء.

والمعزة رمزا تأتي في الترتيب بعد اختها عدلوايت في طفولتها كانت رمزا مشاغبة وتملأ البيت مرحاً بسبب الوقوف برجليها الخلفية لتعانق افراد الاسرة وشكلها جميل عيناها مثل عين الغزال مكحلى واسعتين و لها بريق و لمعان ملفت
وعادتا بعض الأسر التي لديها مساحات تكفي لبناء الحظائر داخل أسوار الدار تبني حظائر للدواجن بغرض الحصول على البيض والمواشي للإتستفادة من ألبانها ولحومها وتقوم بتهيئة كل ظروف الإعاشة مثل الماء النقي والكلآ يتم شرائه اذا تعذر الوصول الى المراعي.

اما بطلت قصتنا (رمزا) بعد ان اشتد عودها بدا الراعي يحاول اسطحابها لكن كانت تتسلق فوق الأسوار او تختفي خلستاً في احدى زوايا البيت حتى تتخلف من الخروج وكنا نضطر لتقديم الطعام لها واستمرت على هذا المنوال حتى اشتهرت وعرفنا انها بيتوتية فقط تحب الخروج الى الأسواق فقط للتنزه خلف الخادمة اثناء التسوق تتناول بعد الأحيان ما يتساقط أمامها من (بسطات الخضار) او الباعة المتجولين حتى أتمت عامها الثاني وشبت لكنها دخلت مرحلة الإنطواء على نفسها
لا تحب الإحتكاك بالتيوس برغم مافيها من جمال سيقانها مسبوبة سب متروسة لحم وشحم خسرها ملفوف وصدرها بارز ورأسها مرفوع والرقبة وكأنها زراف وطولها فارع حتى لون فروتها جميل بياض ناصع تتخلله نقاط سودا تماماً مثل أمها عُرو.

في ذات يوم تسائل اخي محمد منفعلاً ماذا بشأن هذه المعزة لا تنجب ولا نستطيع الإستفادة من حليبها هل هي تيس ام معزة انا ارى علينا ذبحها في العيد خاصتا متروسة لحم يمكن التضحية بها لكن قاطعه اخي صالح قائلاً اترك الامر لي وسأحاول ترويضها وبدا يدرس حالتها النفسية لماذا تنفر من تيوس الحي ولا تستلطف أحداً منهم كان احد الأسباب طولها الفارع ضحكت الخادمة لانها من الأرياف وتعرف اسباب عدم تمكن تيوس الحي الذي نقطنه معظمهم قصار القامة ما عدا التيس الفحل المشهور للعم محمود جعفر كان الله في عون العم محمود اصبح يجامل عندما يلجئ اليه البعض لتحصين النسل لكن حالة رمزا اضطرتنا للجؤ اليه وافق على الفور وجيئة به لليلى واحدة كانت كفيلة بأن يخرجها عن عزلتها وترى النور بعد هذا الإكتئاب ليلة الدخلة كانت الأعصاب مشدودة ومتوترة للجميع ان لم يتمكن منها كان مصيرها الذبح لكن تم تهيئة الأجواء وحجز الحظيرة فقط للعروسين ما ان دخل التيس كان متشبع من المراعي وتبادلوا النظرات اُغلق عليهم الأبواب وانسحب الجميع متوارياً كي لا يتم التشويش لهذا اللقاء، التيس بِسْم الله ماشاء الله فحل عملاق قوي البنية يفوقها طولاً اقترب منها وبدأ بالشمشمة للتعرف في بادي الامر صارت المعزة رمزا تقابله وجهاً لوجه وهو يلف ويدور حولها لكن لم تمكنه للوصول الى الهداف المرجو منه وبدات الأصوات تعلوا شيأً فشيئاً حتى تناهى الى أسماعنا مآمآت عريس الغفلة.

مآا والخادمة سعدية تبتسم في طرب عرفت بفطرتها وخبرتها ان ساعة الحسم اقتربت وبالفعل عند الصباح هرعت الخادمة نحو حظيرة المواشي لترى العجب العجاب رمزا تقف والتيس جالس تحتها تأكد لها ان العريس لا يستطيع الوقوف من شدت الإعياء والإرهاق والمعزة رمزا لا تستطيع الجلوس لأسباب خاصة أتت إلينا تحمل منديل البشرى حينها تم تقديم فُتات العيش المشرب بالماء للعروسين هي إسهامات او محاولات.

ارجو ان تنال رضاكم.

Top
X

Right Click

No Right Click