ورقة بحثية: حراك شعبي ديمقراطي الآلية - الجزء الثاني

بقلم سعادة السفير: عبدالرازق محمد موسى شاور (ديبلوماسي سابق) هولندا

الوسائل:
(أ) إيجاد آلية نضالية شعبية فاعلة توحد الطاقات الشعبية وتؤطرها بشكل فاعل في إتجاه واحد ضمن المشتركات الوطنية لتحقيق

التغيير الديمقراطي المنشود في إرتريا، بحيث تنشط كل وحدة في منطقتها لتصبح الإرادة الشعبية على قدر التحدي الماثل أمامها. وهي مهمة كل من يناضل لتغيير نظام الاستبداد واستبدال به نظام يأتي بإرادة شعبية شفافة ونزيه، وهي مهمة تقع على عاتق كل فرد دون انتظار أن يقوم بذلك غيره.

عبدالرازق محمد موسى شاور(ب) التركيز في تسليم مهام القيادة للشباب من الجنسين، بغض النظر عن خلفياتهم الإقليمية والقومية والدينية والفكرية. فهدف التغيير الديمقراطي ليس بالأمر السهل، ومن الخطأ القاتل استسهاله، فالقوة التي تقف أمام تحقيقه لن تبارح مكانها إلا بكفاح مكلف وتضحيات جسام، وبما أن القضية عميقة بهذا القدر، لا يمكن مجابهتها إلا بتأطير الشباب لأنفسهم، وتحمل مسؤولية جيلهم، وهذا بالضرورة يتطلب انتزاع دورهم بتقدم الصفوف في كل مساحات العمل، وعلى التنظيمات السياسية والمدنية ان تهتم بوضعهم في صدارة المشهد، وكل ذلك في توارث متناغم ومدروس ومحترم بين الأجيال. فمفاهيم التغيير الإستراتيجي لا تتحول إلي قوة مادية إلا بترسيخها في أوساط الشباب. و يتم ذلك بوضع عملية تأطيرهم عمليا في الأولوية، ومحاصرة ظاهرة أن كل فرد (تنظيم) - ربما في شكل من أشكال الاحتجاج السلبي على المشهد السياسي الإرتري - تلك الظاهرة المتفشية وسط الشباب والتي طغت على مشهدهم، ولسان حالهم: قل ما تشاء وانتقد من تشاء وبالكيفية التي تشاء ولا تفعل شيئا ولا تلتزم بأي واجب، تكريسا لمفهوم مضاد للعمل الجماعي. لاحظ كيف تسعى الحكومة المسماة زورا حكومة الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة في أوروبا لترسيخ فكرها الاستبدادي بغطاء تبريري مزيف في قطاع الشباب تحديدا. أذكر هنا أن معد هذا المقترح الذي نحن بصدد مناقشته هو ذاته واضع البنيوية الهيكلية والفلسفية لتأطير الشباب وأصدقائهم في مطلع التسعينات من القرن الماضي. ضمن مسميات النواة الشبابية الطلابية الفاعلة (حمرت أهادو) بكامل تفاصيل تكوينها ومهامها، ومجلس مناصرة قضايا الشباب بتفاصيله ومهامه، ومازال يعمل بها نظام الاستبداد بذات المسميات.

(ت) تضع الوحدات الشعبية للتغيير الديمقراطي هيكل إداري لها وبرامج عمل تهتم بالتراث والفنون والثقافة والسياسة والـتأهيل ومقارعة سياسات النظام الدكتاتوري، وعلاقات الدبلوماسية الشعبية وأقسام للأجسام التخصصية.. الأطباء والمحامين والإعلاميين والأدباء وتنسيق المنابر الإعلامية والاهتمام بها لتهتم بأولوية المقاومة... وتوطين ثقافة العطاء الشعبي لتحقيق أحلام الشعب.

(ث) خلق الوعي المشترك، كقواعد ضرورية لتقبل الآراء المتعددة، عبر عمل نضالي فكري يصاغ في مادة تثقيف لوحدات النضال الشعبي المقاوم للاستبداد، بهدف إيجاد هوية ثقافية متناغمة وتثق بخياراتها وقيمها.

(ج) تعبئة الفراغ عبر عمل مخطط ودائم، لأن السياسة كما الطبيعة لا تحتمل الفراغ، إذ يفضي وجوده بروز مظاهر سالبة غير مخطط لها، ويفاقم من التناقضات الثانوية. ثم توحيد الخطاب المعلن والخفي، إذ لا يعقل أن تجاهر عن رغبة في العمل المشترك وبمجرد انتهاء تصريحك المعلن تتناول الهاتف وتلقن من تثق بهم بخطاب مشحون بالشكوك وعدم الثقة والتخوين وبنيرة الواثق مما تقول، مكونا بذلك مشاعر منفرة عن الوحدة المعلنة، وهذا ربما يفسر إلي حد ما الحيرة التي تمسك بعقل المواطن الإرتري - غياب وحدة العمل المقاوم رغم توافر عناصره المعلنة - جراء الفجوة ما بين النظرية والتطبيق، وهي غياب المصداقية. مقاومة ثقافة الكراهية والأحكام النمطية عن مكونات المجتمع التي تنشر عبر الخطاب الخفي والتفسيرات المغرضة والهروبية وغير العلمية لتجارب الماضي، الانفتاح على الأفكار مهما كانت مخالفة لأنها تعد ثراء.

(د) الاعتناء بتخطيط يخدم الأجيال، وتقدير جهود الإخوة المنضوين في التنظيمات المقاومة، فهم آخر جيل ممسك بخصائص إرتريا وهم المصممون في القبض على جمرة النضال بغض البصر عن إخفاقاتهم أو قساوة معطياتهم الذاتية والموضوعية التي حالت دون تقديم مبادرات تحدث اختراقاً جديًا في واقع المقاومة.. كما نأمل التدبر في المذهبية الدينية التي لا تعتني إلا بمرشدها ولا تميل للعمل المشترك إلا إذا قادته، وكذلك التخلي عن مفهوم (شخص مستقل) التي أضحت دلالة مباهاة على خلفية انسداد الأفق الذي أوجده تكلس واقع التنظيمات المقاومة. ضبط ثقافة الدعاء البعيد عن شرط أعقلها وتوكل، وتحديد الأصدقاء والأعداء بدقة متناهية، الإمساك بقوة بعماد الموضوع الرئيس، والحذر من الغرق في التفاصيل الدقيقة التي تتسم بطبيعتها الخلافية التي لا حصر لها، فالإبحار في تلك التفاصيل من مداخل عاطفية يعد إشعال للخلافات الإلهائية، فهي تحجب المشتركات الكثيرة والكبيرة التي تعتبر كافية للبناء عليها أساساً لعمل جماعي مشترك ومفيد للجميع. فالعقل الإيجابي ينتبه وينظر لمناطق القوة في الصديق لا في نقاط الضعف. فالمشتركات المتفق عليها كثيرة وكبيرة بين قوى المقاومة، ورغم ذلك نجد العقلية السلبية ترصد وتركز في التفاصيل، في مظهر صريح يعبر عن غياب رؤية شاملة ومرشدة للعمل المقاوم، لنجد انتصار للأنا غير السوية، فتباين الرأي في مسألة فرعية لا حصر لها وهذا طبيعي وصحي كان وسيظل، لكن هذا لا يعني مطلقا، تعطيل العمل الجماعي المشترك في المتفق عليه، وبالمجمل ضرورة رفض تمزيق وحدة المجتمع تحت غطاء الدفاع عن مظلمة فئة معينة،في فعل يجاري أذرع النظام في ذلك ويتفوق عليه. كذلك الاهتمام بماذا علينا أن نفعل وإيقاف المفهوم الذي يكتفي شاهدوهم أنهم يتآمرون عليكم والذي تصاغ مادته بتسطيح فادح لا يحترم عقول الناس الموجه إليهم، والتي تستهدف اختطاف عقلهم وموقفهم بتغذية مخاوفهم من الآخر المناهض للاستبداد، وكل ذلك لإبعاد الفئة المستهدفة بهذا الإلهاء عن بحث عيوب الذات، واستقطابهم بالإخافة من الأخر لا بسلامة الطرح والفعل، وهذه هي المؤامرة الأكثر ضررا، التي تواجه من يوجه إليهم خطاب بحث أسباب عدم النهوض في المؤامرة الخارجية أكثر من أي مؤامرة أخرى. فتكسير مجاديف الآخر سيما بالكلام فقط لا تجعلك تتحرك وتفوز، ولا يعقل أن تصبح وسيلة استقطاب الجمهور لاقتلاع أنظمة استبدادية منحصرة في تغذية المخاوف من الآخر فحسب.

(ر) الإنسان في إرتريا، واقعيا يعيش (خارج) الكوكب البشري، فإرتريا اليوم بلد تحكمه مجموعة دون أي تفويض من الشعب، ودون دستور مقر من الشعب.لذلك نجد أن كل من لا يبارك ممارساتهم الإقصائية الظالمة والقاسية، يختطف ويخفى قسرا ثم تتم عملية اغتياله إما فورا أو ببطء دون لائحة اتهام ولا محاكمة، بعيدا عن شاهد بشري ودون شهادة الكاميرا.هذا بداخل الوطن، أما في خارجه يواجه الأرتري الذي يرفض ظلم هذه المجموعة الحاكمة بغير شرعية شعبية، الاختطاف بهدف الاغتيال والحرمان من أساسيات الانتماء للوطن فتنزع عنه الأوراق الثبوتية للجنسية ويحرم من أي حقوق. لا يوجد في كوكبنا هذا ما يفوق هذه الجرائم، هي حالة إرترية يصعب أن يصدقها من تطرح عليه. وبما أنه لا حك جلدك مثل ظفرك، لا مناص من تكوين أجسام شعبية - تحاصر مظاهر الفردية السائدة - وتنشط في مجال تنمية الوعي بهذه المسائل في الأوساط الإرترية والتواصل مع المنظمات الحقوقية والإنسانية باستمرار غير منقطع وبوسائل ومبادرات متعددة حتى نجعل قضيتنا حية في أجندتهم.

(ز) انفعالاتنا غير المسؤولة التي تفتقر للرؤية الشاملة، ضرورة ضبط مفرداتنا التي نقيم بها الواقع، كترديد ”لا أمل فهذا مجتمع لا يتحد“ أو القول ”خلينا يا أخي دي مجتمعات قبلية لا تعرف عمل جماعي“ او ”هذا جيل غير وطني وغير عملي وغير معطاء وترديد مفردات تحاكم الواقع بشكل مستسهل كسول تتمظهر في عبارة الأمور بخواتيمها لندمغ بها تجربة الجبهة أو الشعبية وغيرها من التجارب الثرية لشعبنا بالخراب، متجاهلين أن تجربة ما قد تتوفر لديها غالبية شروط النجاح لكن عامل واحد، تفاعل بطريقة ما غير محسوبة يقضي عليها.. وكذلك القول لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين في غير موضعه، وإيراده في سياق يكرس لمفهوم المؤامرة الخارجية، ودون أن نستوثق هل فعلا لدغنا من هذا الجحر أو ذاك أو لدغنا من الذي كان يعتمل في أذهاننا من مفاهيم... والابتعاد عن سرد التاريخ بطريقة غير توثيقية وغير شاملة وواضحة الانحياز، تخلط فيها الخرافة باللاهوت بالسياسة لتفتق الجروح في مسعى يؤكد صاحبه الانتصار للأنا التاريخية التي يزعم صوابها، بحجة ضرورة فهم التاريخ. وهنا لا يفوتنا أن نثمن عاليا بكل من يقدم التاريخ لاخذ العبر المفيدة للحاضر والقادم، تاركا المهمة الأساسية في كتابة التاريخ الحرفي الموثق لذوي التخصصات... إن جل انقساماتنا اليوم حول روايات التاريخ، فنحن منقسمون حول أحداث الماضي أكثر من أي شيء آخر. ألا تستدعي الحكمة الخروج عن ذلك بما يخدم حاضرنا ومستقبلنا بدل الإقامة الدائمة في التاريخ وفقدان الحاضر والمستقبل ؟

كذلك القول ”أنهم لا يقودوا ولا ينقادوا أو كما دأبنا “نحن المثقفين“ على إطلاق خلاصات مفادها كان الله في عون الشعب الإرتري، نعم ليكن الله في عون الشعب الإرتري، لكن إيرادها في سياق يوحي بأن لا ضوء في نهاية النفق، يشيع أجواء اليأس والقنوط، وهذا لا ينسجم وضرورة شحن الأجواء بالطاقة الإيجابية كالقول عند كل كبوة أبشر أو تعوت“ التي تهيئ النفس للبحث في المخارج.

(س) الانطلاق دائما من حالة المشهد الإرتري العام وأولويات معاناته، دون القفز عليها أو التأخر عنها، لكي نتمكن من وضع خطط تتناسب وأولوياتنا الحقيقية.

(ش) إعداد تثقيف سياسي مشترك - يعطي لمحة موحدة للماضي والحاضر والمستقبل، ويقدم حقائق متفق عليها عن الوطن ويرسخ الثوابت الوطنية.

أعطني روايات متعددة عن ماضي المجتمع أعطيك تنظيمات متعددة، ليدلف بنا ذلك في النهاية إلي أن نصبح مجتمع متعدد تتسع فجواته مع توالى السنوات.

أن التعدد الذي نعيشه لا تحتويه فقط تبريرات الفردية والمزاجية والخلافات الشخصية التي لاشك في وجودها، فحتى هذه الفردية تتكئ في تمددها على تعدد الروايات التاريخية والنظريات الفكرية الجزئية لماهية المجتمع وقيمه ونظرته للذات والأخر وللتقييم المتباين للماضي والحاضر وخيارات المستقبل، فبتعدد رواياتنا نتعدد، لدرجة يمكن أن توصلنا لمجتمعات لا مجتمع واحد. من هنا تنبع عملية إيجاد نظرية فكرية تعبر عن توافق مشترك للمجتمع بالتركيز في نقاش المفاهيم والحقائق بعيدا عن التعميم و الجدل و التخوين والسب والشتم والتجريم، وتدرس لأفراده لتوجد مجتمعا متوافق في نظرته لماضيه وحاضره ومستقبله المشترك ومعالجة البيئة الضاغطة والظروف القاسية بالمشاركة في الموارد بالتساوي. ما نتحدث حوله لا يتعارض مع الاختلافات الفكرية وتعددها، التي يمكن تفهمنا بل هي صحية و ضرورة لانتقاء الأفضل ديمقراطيا.

إيجاد النظرية القائدة أو رؤية المشروع الوطني القائد كمادة تثقيفية موحدة توضح وتحدد أسس المجتمع المتوخى، وتعالج سلبيات الثقافة الحالية. وتعزز الوطنية الجامعة والفهم المشترك الأكبر للماضي والحاضر والمستقبل كأرضية مشتركة يمكن أن تستوعب التعدد في الآراء، تعمق ثقافة الاعتماد على الذات بعيدا عن المحاور الخارجية المشروطة، وتعزز الثقة بالذات وتقوية الإرادة وزرع الأمل، والنظرة للإنسان دون خرافة مصاحبة، ولجم الازدواجية في الخطاب المعلن والخفي، وتسعى لاحتواء التباينات التاريخية والنظر إليها بأنها تجارب محكومة بمعطياتها في المفاهيم والفلسفات الناظمة لا جينات ولا خيانات. كما تعمل المادة التثقيفية على إعلاء الفكرة القائدة وإعلاء قيمة الكيان لا الأفراد دون تحويلهم إلي أصفار، وغرس ثقافة التقيد بضوابط العمل الجماعي الحاكمة والمتفق عليها، إشاعة الشفافية والديمقراطية، التمسك بالفكرة التي تضمن المصلحة المشتركة والدفاع عنها، فهم وحل التناقضات الثانوية بالتعرف عليها والتعريف بها وخلق عمل مشترك ومتصل، والمزيد من البرامج للتغلب على المصالح الجزئية الفردية والفئوية وإحتواء الصراعات بين (القديم والجديد، دبلوماس ودبلوماسي، منبر إعلامي وأخر، صحفي وأخر، مذيع ومذيع، شاعر وشاعر، مفكر وأخر، بين أديب قصصي وآخر، ب بين الأجيال، بين تجربة وأخرى ...الخ)، والابتعاد عن اصطفافات العصبية الاجتماعية التي لا قرار لتمزقها، الانقياد بعلوم الاجتماع السياسي وأحترم قراءات أصحاب التخصصات العلمية لا حكاوي أفراد مفعمة بحساسيات سياسية وقراءات متناثرة محكومة بالعواطف، فهم السياسة والإقرار بأنها علم وفن وممارسة، فهي مهمة لأنها تعنى بإدارة شأن الشعب ومصالحه.

سيادة الأوطان تستمد قداستها من سيادة الشعب، وثقافة كل إنسان خطاء، فلا وجود لمقولة الأبوية التي لا يأتيها الباطل قولا وفعلا، ترسيخ ثقافة الحوار وتأصيله، التعدد ثراء إذا ضبطت عملية إدارته وتوظيفه، ممارسة النقد بإثباتات ومراعاة المكان والزمان والكيفية والكلمة الحسنة، بهدف الإصلاح لا للإشهار والاغتيال. استيعاب نظرية العدو لإفشالها، التعلم من العدو في بعض ميزاته الفنية، متابعة خطابه وتعريته، إعلاء قيمة العمل والتنظم والتضحية، تجاربنا النضالية إبان الكفاح هي تجارب الشعب الإرتري لا ينبعي دمغها أو احتكارها أو توريثها من قبل إقليم أو قومية أو أفراد، كما يفعل نظام الاستبداد. فهي ليست أنساب بل آليات ضمن ظروفها ومعطياتها تستبدل بها آليات أخرى تناسب ومرحلة تاريخية مغايرة، وهي تجارب جوهرها وطني اعترتها أوجه قصور هنا وهناك، وهذا شيء متفهم وطبيعي.كل ذلك سيخلق الانسجام داخل المجتمع ويوحد وجهته ويمنحه قوة وتناغم ليتفرغ لتحدياته الحقيقية. هذه النظرة للمجتمع يجب أن تسري في عقول المجتمع وممارسته عن قناعة لتصبح قوة مجتمعية نافذة.

نحن أمام خطر حقيقي مهدد لقاعدة التعايش والتطور، فالذي يحدد كل شيئ لهذا المجتمع لم يعد الشعب الارتري بل فرد أو مجموعة تلاقت مصالحها وجرائمها، وتلتف خلف ذلك بعض العواطف الشعبية التي يتم تجييشها في كل صبح ومساء، بإعلام مبطن تخويفي وأخر ظاهر (تنموي، وحدوي وطني ...الخ) مضلل، وبتنظيم القطاعات الشعبية التي تناصرهم وتثقيفها بتلك المفاهيم المسمومة، مستعينة في ذلك بفراغ تنظيمي شعبي في جانب مقاومة الاستبداد. تقود هذه المجموعة إدارة البلاد وفقا لميولاتها ومصالحها وثقافتها. تقرر كل شيئ وتمنح من يناصرها القوة والتمكين وتحرم من يدعو لدولة المواطنة من كل الحقوق بما فيها حق الحياة، وهنا نود الإشارة بان مقولة ”وكل دور إذا ما تم ينقلب ينبغي أن نتعامل معها بحذر.

نعم مازلت مؤمنا بإمكانية التعايش في الوطن الأرتري الواحد، فتجاهل (الشريك) لك أو اهتمامه بك يعتمد على مقدار أهليتك في الواقع المادي ترغيبا أو ترهيبا. لا أعتقد أن المأساة الأرترية مسؤول عنها تيار بعينه، بل هي جملة عوامل متداخلة. الشرور والمخاطر الناجمة نتاج سياسات دكتاتورية بالأساس، وهذا لايعفي السياسات التي تقسم وتشظي معسكر المعارضة حتى من ذوي الثقافة الواحدة أو القبيلة الواحدة و الوادي الواحد. لهذا من الطبيعي مجابهة هكذا واقع، يتم بتوحيد جهود القوى المنادية بدولة المواطنة ضمن شعار وطني جامع، ترتب فيه أولوياتها وتنسيق جهودها ضمن جبهة عريضة فاعلة، بغض النظرعن من بدأ بها أو التحاق هذا أو ذاك بها مادام منطلقاتها وغاياتها وطنية. أن التحدي ليس سهلا بل شاق وقاسي وطويل ويمر بتضحيات، لكن لا خيار آخر، فدرب السلامة الموصل أفضل من التيه والخراب الدائم.

لا يزول الإقصاء ونظام الاستبداد عبر التشبه به بل بالسير على النقيض منه.فالتشبه بالاستبداد ينزع عن المقاومة شرعية النضال ضد الإقصاء القائم فالشعب ذكي ولماح، خاصة في مجتمع كل نضاله السياسي السابق وشعوره الوجداني من أجل وحدة الشعب والتراب الإرتري، علاوة علي أنه يفتت جهود المقاومة ويدخلها في صراع ثانوي. وهنا أيضا لا نقول أن الأمر سهل، فالصدمة كبيرة و فادحة والجرح مازال داميا وعميقا والثقة بين المكونات تراجعت علي المستويات كافة. ورغم كل ذلك، الأخطر محاولة التفكير بنظرية الهوياتية والثأر والاصطفافات علي أساس البطاقات الهوياتية المتعددة وشق المجتمع بشكل رأسي... هنا المتضرر هو المواطن والرابح النظام الدكتاتوري. لهذا إذا أردنا الاستمرار ضمن وطن واحد، وهزيمة الشر القائم في بلادنا، المنطق الطبيعي يتمثل في إحتواء تداعيات سياسة الاستبداد، لا تقليدها بحماقة، وحماية ما ننادي به بالتواجد لا بالنصوص فحسب، وتحمل استحقاقات وآلام مخاض دولة المواطنة وانتهاج طريقها رغم وعورته.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click