ورقة بحثية: حراك شعبي ديمقراطي المنطلقات والأهداف - الجزء الاول

بقلم سعادة السفير: عبدالرازق محمد موسى شاور (ديبلوماسي سابق) هولندا

توحيد طاقات الشعب الإرتري قاعديا للحفاظ على الهوية الوطنية ولإحداث التغيير الديمقراطي.

توطئة:

عبدالرزاق شاورالرؤية هي تلك التصورات التي ترغب أن تصبح عليها، وفي حالتنا، هي تلك التصورات التي ينبغي أن تكون عليها المقاومة الإرترية ضد الاستبداد المطلق الجاثم على صدر شعبنا. فهي تحدد من أين نبدأ وننطلق وما هو المسار وتحدياته وكيفية معالجته وما هي الغايات. إذ يعتبر خبراء التنمية البشرية أن التخطيط لمشروع إستراتيجي يقف على رؤية شاملة وعامة للنجاح والتميز سواء للأفراد أو المؤسسات.

فهي تعرف مسار السير وإلي أين يتجه في محطاته وما هي غايته النهائية، وذلك يمكن من رؤية التحديات التي تواجه المسار العام، فيمكن ذلك المؤسسة من وضع الأهداف والأولويات والبرامج التفصيلية والمعالجات الملائمة مسبقا، لتجنب الاختناقات والتعثر بفخ البرامج المتناقضة المبنية كردود أفعال.

رؤيتنا التي نقدمها تحمل أشواق شعبنا الأبي والنقي والمكافح لأكثر من قرن من الزمن لتحقيق الحرية والنماء والعيش الكريم، فهي تتناسب وتتناغم مع أحلام الإنسان الإرتري وحجم تضحياته الكبيرة والجسيمة والطويلة. فهي رؤية طموحة وواقعية وبسيطة، ستحقق بالإنسان الإرتري ومن أجله، لمستقبل أفضل لتاريخ أسلافه وتضحيات الخلف المرابط في خندق الحرية والعدالة والمساواة.

أن الفكر العالمي المعاصر أوضح بجلاء، أن أي تحرك سياسي لا يحمل رؤية شاملة هو كالسفينة التي فقدت بوصلتها، تتقاذفها الأمواج حتى تغرقها.

وكما يقال أن كل محنة تحمل في طياتها بذور النجاح، لذا ينبغي أن نحول محنتنا إلي منحة، من خلال الانفكاك من الأفكار السالبة وتنمية الشخصية الإيجابية. فالتغير ضرورة من ضرورات الحياة، فكل شيء متحرك ليتجاوز الساكن الجامد. التغير يبدأ من القناعات لتنعكس في السلوك، وهي قطعا ليست مسألة سهلة، فالمألوف في القناعات والعادات عميق وسهل، لذا نجد أن الأمر يستلزم إيجاد رؤية سليمة وإقناع النفس بها بشكل عميق لتوفير عزيمة تسعى لتجسيدها في السلوك. فالمعركة الخاسرة كما وصفها المفكر جان بول سارتر هي تلك المعركة التي يعتقد المرء أنه خسرها.

كما يقال إن كل محنة تحمل في طياتها بذور النجاح، ينبغي أن نحول محنتنا الي منحة، من خلال الانفكاك من الأفكار السالبة وتنمية الشخصية الايجابية. فالتغيير ضرورة من ضرورات الحياة، فكل شيء من حولنا متحرك، يتجاوز الساكن المجمد. التغيير يبدأ من القناعات لتنعكس في السلوك وهي قطعا ليست مسألة سهلة، فالمألوف في القناعات والعادات عميق وسهل، لذا الأمر يستلزم إيجاد رؤية سليمة وإقناع النفس بها بشكل عميق لتوفير عزيمة تسعى لتجسيدها في السلوك. فالمعركة الخاسرة كما وصفها المفكر جان بول سارتر هي تلك المعركة التي يعتقد المرء أنه خسرها.

الأسطر أدناه، هي محاولة متواضعة تهدف لإثارة النقاش حول مفهوم الانقياد بالفكرة لا بالأفراد، ومفهوم نقل الشعب من خانة الانتظار والرجاء إلي خانة الفاعل والمتصدر لمجابهة التحديات، ولإيجاد فكرة فلسفية وطنية مستقلة، تعزز ثقافة العمل الجماعي وتخاطب أولويات الشعب، يؤطر من خلالها الشعب وجدانه وذاكرته الجماعية حول ماهية هويته وتاريخه وتصورات مستقبله. دون ذلك، تتعدد الروايات حول ماهيته، ويؤدي ذلك مع طول الوقت الي تكون جزر معزولة، مكونة مجتمعات لا مجتمع واحد.

وتتطرق الورقة لسؤال مفاده: هل منظورنا لتحقيق الوحدة منظور شكلي عاطفي خيالي لا يصمد أمام التدافع أم هو منظور علمي مادي يصعب النفاذ إلي تمزيق نسيج وحدته بسهولة ؟ كذلك تشير الورقة الي منظور الوحدة من خلال العمل القاعدي المشترك في المشترك من الخيارات والاحتياجات الأساسية.

تطرح أيضا سؤال آخر وهو: لماذا أُطِرَ بحثنا عن الوحدة في مسار أحادي وهو وحدة (التنظيمات) التي أولويتها واقعيا بقاء التنظيمات أكثر من أي أولوية أخرى ؟! وكم نسبة عضوية التنظيمات قياسا بالشعب العام؟ ألا يمكن البحث عن الوحدة الشعبية على قاعدة المطالب الأساسية المشتركة للشعب ؟

مبعث كتابة هذه الأسطر، هو الوضع الكارثي الذي يعيشه شعبنا بالداخل والخارج، والإفلاس المعلن والمُقَر من الغالبية حتى لا نقول من الجميع لمقارباتنا السياسية المتكررة، الأمر الذي يجعل من الضرورة بمكان الأخذ بالحكمة التي تقول ليس من العقل إعادة ذات التجربة الفاشلة مرات بذات الطريقة وبذات الشخوص وانتظار نتائج مغايرة. في تقديري أن ما يجابهه مجتمعنا الإرتري سيما الشق المسلم، هي حالة فناء حقيقي، وأقول المسلم حتى لا أعمم جزافا، مجافيا للواقع الملموس، فالمسلم الإرتري في هذه المرحلة لا يمت بأي صلة إلي الدولة التي يسمى بها، حيث وضع وتموضع - المغيب والغائب - عمليا من قبل النظام الحاكم في زاوية تلقي الإملاءات الجائرة. ورغم إقرارنا بدور العوامل الخارجية وضررها البالغ إلا أن العامل الذاتي لمؤشرات الفناء هو الأساس، باعتبار العامل الذاتي هو الحاسم في كل تقدم أو تقهقر، فمجتمعنا لم يجدد فكره في التعامل مع تحدياته المتجذرة منذ عقود.

ففي تقديري يمكننا أن نحدث اختراق نوعي إذا تعاملنا بشكل إيجابي مع المفاهيم المطروحة للنقاش وقمنا بإثرائها. صفوة القول: الدعوة مقدمة لصقل وتثقيف الورقة بهدف استكمالها وتقويم أوجه قصور الطرح النظري والإجرائي فيها، خاصة وأنكم أصحاب تجارب وخبرات عظيمة، فنتاج عدة عقول ليست كالعقل الواحد، خاصة في موضوع يلامس مصالح الشعب، بحيث يصبح في النهاية حصاد جهد مجموعة حوار لوعي مشترك. جوهر الفكرة تكوين وحدات شعبية للحفاظ على الهوية الوطنية ولإحداث التغيير الديمقراطي من خلال تنظيم الشعب، فهي ليست فكرة صعبة وليست (جديدة)، ربما تكاملت عوامل شتى لتغييبها، أول تلك العوامل هي الصدمة الكارثية لمآلات نضالاتنا السابقة وتفسيرنا غير (الدقيق) لمسببات تلك الانتكاسات وتبريرها بأخطاء أفراد لا مفاهيم وأفكار و قلة المران الديمقراطي والإداري ونقص تجارب وخبرات في إدارة التعدد الثقافي والفكري، لذلك كانت ردة الفعل سيادة روح عدم الثقة ببعدها الوشائجي الاجتماعي والمكاني، والتي نجم عنها تركيز الجهود للفوز بالقيادة - محاصصات - على المستوى الفردي على خلفية اجتماعية ومكانية مهما كان الثمن دون إعارة مسائل الفكر ونظم إدارة التعدد أي إعتبار، لهذا غدت محاولات النهوض مجددًا تنتكس بشكل مكرر.

أن فكرة حشد الشعب ضمن أولوية مجابهة نظام الاستبداد هي مطلب شعبي عام. إذ نجد أن شعبنا مارس اجتماع الحي والقرية والمدينة ليناقش سويا أمر ثورته إبان الكفاح المسلح، لتقديم الدعم المعنوي والمال والشباب بهدف تحقيق مطلبه الواضح والضروري، طرد المحتل الأجنبي. لذلك فكرة حشدة على قاعدة الثوابت الوطنية ليست نشاز بل هي الوضع الطبيعي والمجرب، أذكر في صباي كنت أقرأ مجلة/منشور النضال لجبهة التحرير الارترية لكل النساء الإرتريات في المدينة التي كنت موجودا بها، اليوم أين هو ذاك التجمع الشعبي الشامل ؟! لم أهملناه لنستعيض عنه ببضع أفراد لكل تنظيم معظم نضالاتهم القاسية والمضنية تشلها حالة التناحر في ما بينهم خاصة أثناء المؤتمرات والانشقاقات التي تفرخها ؟

كما أن الفكرة المطروحة ليست خصما من التنظيمات السياسية بل على النقيض من ذلك هي تجسيد لأهدافها المعلنة في حشد الجماهير الشعبية لإحداث التغيير الديمقراطي بها ولها. بالتالي هي مهمة كادر التنظيمات بدرجة أولى، كما أنها مهمة الشعب كله المنظم في تنظيمات وغير المنظم. فالتجارب في العمل السياسي أكدت أن القدرة على حشد الجماهير خلف هدف سياسي معين هو الفاصل دوما. فضلت الإيجاز، لأنكم أكثر دراية عن حال شعبنا، فجميعنا نكاد نتوافق بأن الأمر يتطلب آليات فاعلة وجديدة عمادها الشعب الإرتري.

لا تحمل الورقة وهما بقدرتها على تقديم حل لمستقبل ارتريا ووجودها، بل هي دعوة للمراجعات والتأمل بتجرد، وبإيقاف مؤقت للأحكام النمطية المستحكمة، لنناقش مسلماتنا الفكرية وتجاربنا، بيقين راسخ في أننا جميعا في مركب واحد مثقوب وبوصلته قادتها كثر وتتقاذفه أمواج المحيط.

الساحة الإرترية - مشهدها الحالي في بعض ملامحه أشبه بتجربة المناطق في الستنيات - نجدها اليوم مستوية تماما، لاستقبال المقترح المقدم كطوق نجاة ضروري لا يسمح بترف الخيارات. فالتجارب العديدة من التفتت، لدرجة أمسى فيها كل فرد مقترح مشروع (لتنظيم)، هذا المشهد واقع معاش ويقض مضاجع شعبنا الذي يطأ الجمرة، فحصاد التجربة المألوفة أثبت مرارًا إذا تفرقت تكسرت أحادًا.. ومع هذا سوف لن يوفق المقترح بفرض ذاته تلقائيا، إذ يتطلب في مراحله الأولى أفراداً - كل فرد مسؤول عن ذلك دون أن ينتظر أحد-يشرحون أهميته ويقفون أمام وضع لبنته الأولى ومن ثم سيقود ذاته تلقائيا. من هنا اقترح أن تتم عملية تشذيبه وتنقيحه من قبل منبر حوار لوعي وطني مشترك ومن ثم يتبناه كمقترح للمنبر ويضع له خطة تنفيذ على أن تدعمه التنظيمات بكادرها، كأداة تنفيذ لبرامجها المعلنة في تفعيل دور الشعب في عملية التغيير.وبذات القدر تتواصل اجتهادات التنظيمات المقاومة في مسعاها لتوحيد صفوفها وعقد مؤتمراتها، لأنها تفعل كل ذلك -كما هو معلن - بهدف تحقيق الفاعلية الشعبية ضد نظام.

منطلقات:-

1. ضرورة البناء على الفكرة القائدة لا الفرد القائد، هي فكرة تحمل هدفين: مشاغل القطاع العريض من الناس، وتعالج الإشكالات التي تجابه العمل الجماعي، وذلك يعني ضمن ما يعني الاهتمام بمفهوم كيف نقود كفاحنا بدل الاهتمام بمن يقوده، وبهذا يصبح القائد نتاج الفكرة القائدة التي يفترض أن تعمل على ترشيح القادة بتدريبهم على حل المشكلات الكبيرة وتطوير التحليل والقراءة المستقبلية الطموحة وتطوير الذات والمحيط (معلومات مهارات سلوك التوجيه والتشجيع والاستماع والتفويض و بناء علاقات إستراتيجية والإبداع والابتكار و تحديد الصلاحيات والمرجعيات ومستويات الإدارة بوضوح تام). وقياسا على هذا المفهوم وعلى خلفية عقم أطروحات ما دون ذلك، نحن بحاجة ماسة لأطروحات فكرية جديدة تحرك ثورة ثقافية. فتجربتنا كما هو معلوم في ظل غياب رؤية تشخص باستقراء عميق ومتماسك يستقطب آمال وآلام ومشاغل الشعب العريض ويلمسها المواطن في السلوك، أفرزت انقساماً وسيولة تنظيمية بعدد (القادة) الأفراد على خلفيات مشاغل جد فرعية، مع تقديرنا لكل اجتهاد صادق، وهذا المنتج يوشك أن ينهي ملف وجودنا كمجتمع ذات هوية واحدة. كذلك يؤسس المقترح لمفهوم الانتصار سويا دون أن يخسر أحد من ذوي الاهتمامات العامة، وذلك بتحقيق الاهتمامات الأساسية لكل الأطراف، ويحتاج ذلك لبعض الوعي بالمشكل والتركيز في الأولويات العامة وبعض التنازلات والوقت والإبداع لإيجاد حلول دائمة، فهو حل مباشر لحقيقة ”غياب التفاعل الشعبي“ الذي تشتكي منه التنظيمات والمجلس الوطني، كما يبطل حجج كثيرة يتذرع بها غالبيتنا لحجب وتعطيل مشاركته في النضال الوطني العام.

2. بما أن العملية السياسية لا تعير أي أهمية للحق الذي لا تدعمه قوة، وبما أن الحق الذي لا تدعمه قوة على الأرض يمكن أن يصبح باطلا ولا تستطيع المواثيق والمعاهدات حمايته في المشهد المعاصر والغابر، وبما أن أساس هذه القوة هي القوى الشعبية المنظمة والواعية والفاعلة، تصبح عملية تحقيق ذلك أولوية الأولويات. وهذا يعني إعادة الثقة في الشعب الإرتري وقبر أي أوهام أخرى. ومعالجة الإحجام الشعبي، بمعالجة الأسباب الحقيقية لإحجامه دون أن نرميه بنعوت لا تليق به أو محاولة بحث ذلك في جيناته أو تخريفات أخرى تحجب أس المشكل، فالشعب ينصرف كما هو معلوم عن الإسهام عندما يوقن أن الشأن العام لا يدار لمصلحة العامة.

3. أن العلاقات الأولية البسيطة في بيئتنا كالمدينة أو الإقليم أو القبيلة أو القومية أو الدينية أو حتى دوائر صلات أضيق وأصغر، تعطينا مفهوما خاطئا عن إمكانية ضمان الوحدة، لكن الواقع المعاش يقدم لنا أدلة لا حدود لها للبرهنة على عدم استمرار الوحدة على هذا الفهم العاطفي غير الموثق ماديا، فمن هذا الفهم السطحي غير العلمي للوحدة تبدأ إشكاليتنا، فالوحدة لا تدوم حتى في الأسرة الواحدة لو فقدت قيم العدل والاحترام والتوافق على نظم الإدارة والغاية وتقسيم العمل ووجود تحديات خارجية مستمرة وغيرها... فالوحدة لكي تتجذر ووتتصلب أمام كل العواصف لابد من الإيمان - ما وقر في القلب وصدقه العمل - بالفكرة العلمية المؤدية إليها، على أن يتمظهر ذلك في السلوك. ويتأتى ذلك من خلال توفير الرؤية الفكرية التي تزيل المعيق في صلاتنا البينية وتقوية الإيجابي منها، لا أن نترك كل عضو يصول ويجول داخل الكيان المراد توحيده، ليمزقهم بأنانيته وتطلعاته الخاصة ونظرته العنصرية المتخلفة لماهية الإنسان ...الخ. لذلك هناك شروط نظرية ومادية يجب توفرها كاملا حتى تزهر وتثمر عملية الوحدة، كضرورة تعريض الجهة المراد توحيدها لتحديات مشتركة، بذات القدر، وفي ذات التوقيت، لتحقيق غايات مشتركة، و ترسيخ الإيمان بالفكرة القائدة بشكل دائم، وتطبيقها عمليا بين أفراد الجهة المراد توحيدها لدرجة يلمس فيها كل عضو أن مجموعته أحب إليه من أسرته. غير ذلك تعد عملية تقلبات تستهدف اقتناص موجة محدودة ومحددة، قد تمهد لوحدة مؤقتة لكنها لا تدوم طويلا وتنتهي بإنتهاء المؤثرات التي أملتها أو فرضتها، وتجاربنا القريبة منها والبعيدة خير مثال على ذلك. هكذا مفهوم سوف ينقل حراكنا من اجتهادات و تجارب و تداعيات صراعات جيل الكهول - الذي تحمل المعاناة والتضحيات كثيرا وطويلا رغم محدودية الإمكانات - إلي حراك شعبي عام بريادة الشباب المتجرد من اجترار السالب من حكايات وتجارب الأمس غير الموفقة وإثراء المشرق منها، ليصنعوا بأيديهم واقعا يخدم حاضرهم ومستقبلهم، لا أن يتهربوا من مسؤولياتهم بإلقاء اللائمة على إخفاقات الأباء، كالقول مثلا كانوا السبب ”لم يتركوا لنا إلا الانقسامات“.

التصور المطروح هو على النقيض تماما للتصور الشكلي للوحدة الشائع في العديد من الفصائل الوطنية الإرترية ماضيا وحاضرا. والذي كان ومازال يفرخ مطلع كل فجر تفتت جديد... مما انعكس ذلك سلبا علي ثقة المجتمع في الوحدة. ما دفع قطاعاً واسعاً منه إلي خانة اليأس وقراءة الفنجان أو خيار الأوطان البديلة. فعقب كل مؤتمر أخفق في تقاسم المقاعد درجت العادة للقول: تلك مرحلة مضت لكن هذه المرة نحن جادون وعلينا أن نستمر! وتستمر بذلك متوالية الإنشطارات بمتوالية هندسية لا قرار لها، ولسان حال الإدارات كلما طلب منها التغيير عن المألوف المهلك، نجدها تردد وبإصرار مقولة لنسير فقط (نخيد طرح)على طريقة نظام الاستبداد لا تسأل ولا تقترح بديل فقط (نخيد طرح) وإذا تماديت في طلب التغيير يتم قذفك بتهم الاغتيال الجاهزة. من نافلة القول التأكيد على أن ما يطرحه نظام الاستبداد من وحدة مزعومة ما هو إلا تضليل، لذا تجدنا نرفض تصوره ونقاومه، وهذا لا يعني أن نقلده في إتجاه معاكس.

4. أن الإطار المنظم لفكرة آلية المقاومة يستوجب أن تتحول بجهدنا الجماعي إلي قناعة يوقن بصلاحيتها عامة الشعب، لكي تتحول من فلسفة أقلية إلي فلسفة غالبية الشعب، لكي نتمكن من خلال الآلية التي تقرها الجموع الشعبية نضالات شعبنا شيئا ملموسا، وتحقق واقعا متقدما مطلع كل فجر، وتقطف الثمار الطيبة.

5. وبما أن تطور حياة الناس العاقلة تقتضي ابتكار أفكار جديدة، وبما أن عملية توحيد أداة المقاومة، فشلت لسبب وآخر بإقرار الجميع مرارا في توحيد فصائل المقاومة كخطوة أولى في طريق توحيد القوى الشعبية الساعية لإزالة نظام الاستبداد، على خلفية كل ذلك تحتم الضرورة، البحث عن مقاربة أخرى بجانب الاستمرار في المألوف، ما دامت القناعة المعلنة لفصائل المقاومة الإرترية أن وحدة القوى الشعبية الإرترية هي الأداة الوحيدة لإحداث التغيير و لتحقيق الانتصار على دولة الطغيان.

6. غياب فاعلية المقاومة الإرترية واقع يقره القطاع الشعبي العام وكذلك تقره التنظيمات، وكل طرف يلقي مسببات هذا الإخفاق على الآخر.

7. الشعب الإرتري المتضرر من نظام الاستبداد أكثر من القطاعات المستفيدة معنويا أو ماديا أو من المعتقلة بالمخاوف، إذ نجد أن النسبة الشعبية الرافضة للدكتاتورية أكبر بكثير عن تلك التي تصطف مع النظام، ولكن هناك معيار مهم يميز كل طرف، وهو أن النظام الاستبدادي في إرتريا يجيد أكثر فكرة تنظيم القوى الشعبية المناصرة له، على عكس التشتت الذي تتسم به قوى المعارضة، ونظريات القوة الطبيعية تراهن على عنصر رص القوة في اتجاه واحد وفي ذات الوقت لتحدث الفارق.

8. الإقرار بحقيقة أن نضالات شعبنا لم تحقق غاياتها رغم التضحيات الكبيرة التي قدمت، هذا الاقرار ينجم عنه تلقائيا محاولة الإجابة على سؤال ملح، من الذي تسبب في ذلك ؟ وبما أن الهزيمة يتيمة، نجد كل طرف يرمي بها على الطرف الآخر، وهذا الفخ الذي يطل عقب كل نكسة أمسك بتلابيب (الرؤية) بعد خروج جبهة التحرير الارترية عن الساحة الإرترية، من كان سبب انهيارها من الداخل ؟ وانشغل الناس بالروايات المتعددة والمتناقضة كل يحمل الطرف الآخر، ومازال السجال قائما. وذات الفخ وقعنا فيه بعد انقلاب نظام الاستبداد في إرتريا على أحلام الشعب الإرتري. أن تقييم سبب الإخفاق هام للغاية على ان تتم دراسته وفقا للعلوم الإنسانية والإدارية ونظرياتها، لاستخلاص العبر والدروس، مع مراعاة أن يحملنا إلي النهوض بدل أن يصبح مربع الإقامة الدائمة، الذي يسجننا في الماضي و يُستهلك الجهد والزمن في محاولة أن يبرر كل طرف موقفه، وتضيع البوصلة بعيدا عن هدف النهوض والتغيير الديمقراطي. أن الإقرار بأن الفشل مساهم فيه الجميع بقدر وآخر، وأن الأولوية تقتضي تجاوز ذلك إلي مربع التركيز في كيفية النهوض من خلال تجاوز التشتت الذي هو سر الإخفاق الجوهري والمتفق عليه من الجميع، والمخرج يكمن في طرح أسئلة منتجة تدلف بنا إلي إيجاد وإجادة طرق إدارة التعدد، والسير خلف الأفكار المنقذة، مع تفعيل حراكنا وعلى الدوام بالعلوم الإنسانية والتنظيمية.

9. ضرورة البحث عن أسباب إخفاقاتنا في مفاهيمنا وممارساتنا، وهذا يعني إنهاء ثقافة بحث شماعات خارجية بشكل نهائي، وهذا لا ينفي وجود المؤامرات الخارجية، فهي موجودة كونها طبيعة التدافع البشري، ولكنها دعوة للتعويل على العامل الذاتي كعنصر حاسم في عمليات التدافع، والإقرار بالمطلق، أن القوة في قوة الأساس الشعبي وان قوته ليست بالمسميات وما يحوم حولها من خيالات وأوهام، بل قوته في تنظمه ووعيه وتمليكه أدوات النهوض بعقلية التفكير المنطقي والتدريب والمهارات وتعزيز القناعات وسلامة السلوك وغيرها. لنبحث عن التفسير الدقيق لأسباب فشلنا في تجاربنا السابقة بأدوات التحليل العلمي والاستقراء السليم بعيدا عن رمي مسببات الفشل لعوامل خارجية قريبة كانت أو بعيدة، في محاولة الخروج من المسألة بنزاهة من كان خارج المعادلة، وبحث المعوقات في الرؤية الاطارية التي كانت تحكم السلوك والنظم وصلاحيتها لا في الأفراد والجماعات، فمنطق الأحكام النمطية جماعة فلان هم السبب والشخص الفلاني هو السبب في الغالب هي رجم تعميمي غير متقبل ولا يحتوي هذا الخراب الكبير. فالتفسيرات غير الحقيقية تجعلنا نعيد تكرار مفاهيم وممارسات فشلنا وعلى الدوام. وهذا لا يعدو عن كونه سياسة الهروب من الحقائق عوضا عن مجابهتها. لذلك علينا البحث عن الحقيقة بدل تلقف إجابات تغطي قصورنا وترضي غرورنا وتشتت شملنا. قياسا على ذلك، هل تفتتنا تم بالأساس بمؤامرة خارجية أم كان بالأساس في عدم استيفاء عوامل البناء التنظيمي المعافى، لغياب رؤية معتافية وعدم تمكين الشعب من تلك الثقافة ؟ هل العامل الأساسي لانهيار الجبهة عامل ذاتي أم خارجي ؟ وهل هو نظم إدارة أم شخوص ومجموعات اجتماعية ؟ وذات الأسئلة على تجربة الجبهة الشعبية، اين كان الخلل الذي مهد لظهور الدكتاتور ؟ هل تم استغلال الثقة التي اكتسبها القائد الذي أطل على رأس الجيش الشعبي لحظة دخول أسمرا ؟ هل تم استغلال الثقافة التنظمية التي رسخت مفهوم الاحتجاج خارج اجتماعات الأطر التنظيمية خيانة؟ علما بأنها ذات الثقافة التي عصمت التنظيم في السابق ضمن عوامل أخرى هامة عديدة عن التشظي، هل هو استغلال لثقافة المركزية الديمقراطية والانضباط الحديدي والتخصصات الذي أفاد في مرحلة الكفاح ومجابهة العدو ؟ هل هو نفاذ من ثغرة في الثقافة الارترية التي اعتادت على أن العدو خارجي ؟ هل هي ردة انتهازية تتكئ على ما تواثق التنظيم على محاربته ورجمه ؟ أم هي استغلال كل ذلك معا.

10. محاصرة مفاهيم العداء الدائم و شيطنة من اختلفنا معهم في مراحل تاريخية سابقة أو حالية، وإيقاف نهج اغتيالهم، فكيف نفهم أن تصبح المهمة النضالية لبعض مقاومي نظام الاستبداد اغتيال المنشقين عن نظام الاستبداد؟! أو الاحتفاء والتشفي مع نظام الاستبداد في اعتقاله واغتياله قيادات الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا التي طالبت بتطبيق الدستور ودولة الحريات في جسارة نادرة وبشموخ فاخر مقدمة الأرواح فداء للحرية؟! وتمجيد بعضهم حسب الصلة المجتمعية أو المكانية، وتبريرهم الأكثر غرابة أن فلان قال كذا او فعل كذا ذات يوم، وعلى خلفية جهل كامل، بآليات العمل في النظام، واستقاء الروايات المنسوبة من تسريبات النظام أو جهات تقوم بتصفية حسابات خاصة. حتى لو قالوا أو فعلوا ذلك حقا، هل هكذا مفاهيم لها علاقة برؤية تحمل أي فهم سياسي ؟! وهل هذا نهج مقاومة تستهدف النصر ؟! حقيقة يصعب إيضاح الواضح، فمن هم أبطال المقاومة إن لم يكونوا من قالوا لا لسلطان جائر حاملين ارواحهم على أكفهم ؟! الاختلاف في الرأي ليس جريمة، واصطفافات هذه المرحلة غير اصطفافات الأمس، كما أن النضال في الجبهة أو الشعبية فخر وليس عاراً، و نضالنا في هذه المرحلة ليس ضد الجبهة أو الشعبية بل ضد نظام الكثير من بطانته في هذه المرحلة من خلفيات غير الجبهة الشعبية التاريخية. أن الخطر الحقيقي الذي يجابه المقاومة الارترية في هذه المرحلة الذي يماثل ويتفوق أحيانا على خطر النظام الاستبدادي هو خلق اصطفافات متضادة بين الجبهة التاريخية والشعبية التاريخية، وجر المقاومة في خندق تاريخي بما يخدم نظام الاستبداد.

الاختلاف وتغير القناعات طبيعة البشر في كل حراك بشري، وفقا لمعطيات كل مرحلة والتغيرات التي تحدث في التنظيم والثقافة والمستجدات وتكشف حقائق جديدة وتموضعات مستحدثة ...الخ، طبيعي أن ينجم عن النشاط الإنساني تباين في الطرق المؤدية للأهداف على خلفية عوامل كثيرة وهذا يستلزم تناول الأمر بمفاهيم سياسية، والواقعية وبما يخدم مشروع المقاومة بحسابات الربح والخسارة وتوسيع دائرة الأصدقاء والتحالفات لا بتكفير كل من اختلفنا معه/معهم في منعطف ما، بعيدا عن الشماتة غير الطموحة، وبعيدا عن إقامة محاكم في واقع الكل فيه خارج الحلبة وفي مربع المنهزم. ففي فقه المقاومة، المنطقي أنهم أصدقاء لا أعداء، ويعبر كل ذلك عن يأس وإفلاس لا يأبه بالانتحار. ثم من يحاكم من وفي ماذا ؟. أن مصلحة عامة الشعب الإرتري مشتركة في تحقيق دولة القانون، لذلك من الجرم عزل الشعب في جزر قاحلة ومتناحرة، رغم علمنا بأن خلاصهم يكمن في أن يبحروا سويا وفي اتجاه الهدف المشترك. فهذا هو الدكتاتور ببعده المعلوم، نجده في لحظة تاريخية ما يتخذ تكتيكا يخدم أهدافه الاستراتيجية المتمثلة في هزيمة جيش الاحتلال الإثيوبي، فيدفع بالجيش الشعبي لتحرير إرتريا، لتحرير الكرمك السودانية نصرة لحكومة الإنقاذ الإسلامية، وهو ذاته يحاربها في منعطف أخر. المشاهد على المسرح السياسي لا حصر لها للتدليل على السياسة ومربط متغيرات المصلحة. أما سياسة ”زمان كان موقفهم كذا وكذا“ لا يوجد لها تفسير في قاموس السياسة.

الأهداف:

1. الحفاظ على هوية المجتمع من الاندثار وتعزيز ثقته بذاته

2. تحقيق نظام سياسي يرتضيه الشعب الإرتري

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

• سعادة السفير عبدالرازق محمد موسى شاور الدبلوماسي الأرتري الذي غادر منصبه عام 2009م بأسرته لتنتهي به قدماه المهاجرتان إلى هولندا قال: إنه من مواليد 1964م تخرج في الفيزياء ثم درس دورات تأهيلية متنوعة في الدبلوماسية وحل النزاعات.

• عمل بوزارة الخارجية سفيرُا لدولة أرتريا بليبيا وسكرتيرا أولا وتقلب في وظائف للنظام مختلفة وغادر المناصب بشرف عندما شاهد الافتراس والاستهداف الماكر، وحظه كان سعيدا لأنه غادر بأسرته قبل الحظر المفروض على عائلات الدبلوماسيين الآن من مغادرة البلاد.

• يعيش في ”هولندا“ ومع ذلك يحن إلى أرتريا يقدم الحلول لمعاجلة قضيتها ويعتقد أن الحل في الخروج من أزمة الإطار الضيق إلى سعة الأفكار والمبادئ المشتركة ومن مواعين التنظيمات الضيقة إلى حراك الجمهور الواسع.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click