رد علي الورقة المعارضات الارترية الدور والمكانة بعد المصالحة بين اسمرا واديس ابابا

بقلم المناضل الأستاذ: عثمان صالح - كاتب ومفكر سياسي

الملاحظ ان الورقة مشوبة بعيوب من عدة نواح ومليئة باخطاء منها المقصود بغرض تشويه جانب مهم

الثورة الارترية

من المسيرة النضالية للشعب الارتري باسقاط موقف وانطباع شخصي عليها الامر الذي حرم الورقة من الحيادية التي تشترط في الرؤى والاعدادات التي تقدم باسم مؤسسات ومراكز متخصصة، وجزء آخر ناتج عن قصور في المعلومات وضعف واضح في متابعة النشاطات الارترية المقاومة للنظام الدكتاتوري في اسمرا. وفي هذا يمكن التأشير بشكل مختصر على:-

أولاً: بالنظر لما خلصت اليه يبدو ان الورقة اسست تناولها للمسألة على قراءة خاطئة للمعطيات على الساحة الارترية وكنتيجة لهذه القراءة انتهت الى خلاصة خاطئة ايضا اذ تخلص الى النتيجة التالية: (لكن المصالحة التي جرت بين النظامين الارتري والاثيوبي واسفرت عن تبادل السفراء والتوقيع على اتفاقيات، يمكن ان تفتح الطريق لتطبيع الحياة الداخلية، بعد زوال الخطر الخارجي الذي تذرع به اسياس افورقي لاستمرار نظامه الامني. ما قد يسمح بعودة المنفيين واطلاق سراح المعتقلين واجراء انتخابات حرة ونزيهة وقيام نظام ديمقراطي). ومع انه لا يتضح من الورقة التاريخ الذي اعدت فيه لكن تناولها لبعض الاحداث قد يكفي كأشارة الى ذلك.

ومن المؤسف ان تكون هذه قراءة مركز مهتم بمتابعة شئون المنطقة. واقل ما يمكن ان توصف به انها قراءة سطحية مخلة جدا. فبعد مرور مدة كافية مما سمي المصالحة بين اديس واسمرا يؤكد الواقع في ارتريا ان الخلاصة التي توصلت اليها الورقة ليست لها اية علاقة بقراءة معطيات وتحليل معلومات بقدر ما كانت عبارة عن تسجيل لأحلام وامنيات بعيدة عن الواقع وانها لم تستند لا على قراءة مسيرة رأس النظام وتجربته السياسية عبر نصف قرن. وواضح انها لم تأخذ بنظر الاعتبار المؤشرات والقرائن المرتبطة بتجربة الحكم في اسمرا الامر الذي حرمها من النظرة الى البعد المرتبط بالارث السياسي لرأس النظام الارتري ومواقفه المتناقضة وتنقلاته الانتهازية في ساحة الصراعات من حوله ونكوصه المستمر وتراجعاته المفاجئة عن تعهداته واتفاقاته.

وفيما يخص قراءة مآلات الاتفاق فلابد من الاشارة الى ان هذه المصالحة تتوكأ على اعمدة منها مصالح دولية واقليمية وقد ادى اصحابها ادوارهم في التقريب بين الطرفين ترغيبا وترهيبا، ومنها الطرفان المحليان المعنيان مباشرة اثيوبيا وارتريا وعليهما يتوقف نجاحها، وعليه لابد من المرور على حقائق مهمة متعلقة بطرفي الاتفاق اصلا.

وفي هذا يؤخذ على الورقة انها لم تأخذ بنظر الاعتبار العوامل والمؤثرات الاساسية التي تطبع العلاقة الارترية الاثيوبية عبر المئة سنة الماضية وهي في الحقيقة عوامل مخزونها سيء في الوجدان الارتري اذ هو عبارة عن حروب نتيجتها عشرات الآلاف من الضحايا ودمار ولجوء وتشرد مازالت مآسيه ماثلة وتفصيلياته حاضرة بكل قسوة في واقع الارتريين، اما حاضر هذا المخزون فهو اسوأ اذ يمثله احساس الاثيوبيين الدائم بالغبن والاسف بل والحزن على نتائج حرب التحرير الارترية التي حرمتهم من موقع استراتيجي يشرف على ممر باب المندب بامتداد الف كيلو متر على الساحل الغربي للبحر الاحمر بارخبيل بالغ الاهمية على كل المستويات-- الامنية والعسكرية والتجارية - وكثير من سياسيي اثيوبيا ومثقفيها يعبرون عن ذلك بالقول (ان الوضع الحالي والاعتراف باستقلال ارتريا لم يكن تعبيرا عن رضى وقناعة بل انما هو اقرار بنتائج معركة التحرير و عليه فان مسالة عودتهم الى ارتريا او عودة ارتريا اليهم هي قضية مركزية بالنسبة لهم وهي معركتهم الاساسية المفتوحة وبكل الوسائل).

وهذا الاحساس هو اساس لرغبة اثيوبية عارمة في محو الخارطة الارترية من الوجود واعادة عقارب الساعة الى زمن الضم القسري والاحتلال. هذه صورة مختصرة جدا للمخزون الذي يسيطر على جانبي العلاقة بشكليها الرسمي والشعبي. وان تجاهل مؤثرات حقيقية كهذه في مسألة دراسة العلاقة بين الطرفين حتما تفرز نتائج غير دقيقة - ان لم نقل خاطئة بالمرة - كما هو في خلاصة الورقة موضوع التعليق. ولذلك فان الصورة الوردية التي رسمتها الورقة يبدو انها تعاني من تشوه كبير بحكم العراقيل العملية والنفسية التي يضعها الطرفان امام نجاح (المصالحة) تأسيسا على الطموح والرغبة والاهداف الخاصة بكل منهما. ويلاظ انه كلما خطت الاتفاقية خطوة تعطلت وتراجعت خطوات بسبب تباعد المصالح في الظاهر والنوايا في الخفاء.

ان ما وصفت بالمصالحة في الورقة تبعا للتعبئة والحملة الاعلامية الدولية والاقليمية المرافقة هي في الحقيقة بمجملها اتفاق معلق على رغبة الرجل الاول في كلا البلدين ناتج في الاساس عن مكايدات ومنافسة سياسية للرجلين بهدف احداث اختراق في الاوضاع التي كانت تحيط بهم او قل خضوعهما للضغوطات الاقليمية والدولية بخصوص اوضاع المنطقة ومصالح الدول الكبرى فيها كما انها فيما ظهر منها لم تستند حتى الآن على تصديقات وقبول من مؤسسات الدولتين. ولهذا لم تظهر لها حتى الآن تأثيرات وتحولات ايجابية كبيرة في حياة ومصالح الشعوب ومن هنا فان الاحتمال الآخر بانزوائها ودخولها في حالة سبات امر غير مستغرب استعدادا لجولات من نوع آخر من العلاقات بينهما.

اذا كان هذا فيما يتعلق بالخصائص المشتركة بين طرفي الاتفاق فهناك ايضا الجانب الخاص المتعلق بطبيعة رأس النظام الارتري الذي كان ينبغي ان تبحثه الورقة لاهميته البالغة في امكانية صمود المصالحة وتحقيق اغراضها. فمن المعلوم عن رئيس النظام في اسمرا تقلباته السريعة وتنصله عن العديد من الاتفاقيات والعهود التي ابرمها قبل السلطة (كل الالمعارك التي شنها ضد التنظيمات الارترية كانت مسبوقة بحوارات واتفاقات وتفاهمات، وحتى اتفاقه وتحالفه مع وياني تقراي لشن الحرب على جبهة التحرير الارترية انقلب عليه بعد ان تحقق له ما اراد وكانت نتيجة ذلك الحرب الطاحنة بينهما ) ومنذ ايلولة السلطة اليه (انقلابه وتنصله من كل الاتفاقيات التي ابرمها مع انظمة - ايران، السودان، جيبوتي، قطر، اليمن).

اما فيما يتعلق بالاستنتاج الخاص (بامكانية تطبيع الحياة الداخلية في ارتريا تأسيسا على اتفاق (المصالحة مع اثيوبيا)، فهي قراءة غريبة جدا ولم اجد لها في منهج النظام ما يسندها. وحقيقة يحتار القارئ كيف استولدت الورقة تلك الخلاصة الايجابية والثمرات الطيبة التي اوردناها اعلاه من الارضية السيئة ادناه والاوصاف المتناقضة معها لسيرة رأس النظام في اسمرا الذي تقول عنه تحت عنوان التأسيس للدكتاتورية: مع وصول اسياس افورقي للسلطة حرص على اقصاء كافة المكونات السياسية والعسكرية ومنع قيام اية احزاب سياسية، ونصب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة كحزب سياسي وحيد في البلاد، كما نفذ عمليات "التطهير" داخل جبهته، حيث قام بتصفية اي تهديد محتمل ونفذ عمليات اعدام وسجن بحق رفاقه القدامى وكل المعارضين او المنتقدين لنظامه الدكتاتوري) بعد ان اكد الرجل بلا رتوش طبعه الدكتاتوري وبرر لذلك بان الشعب الارتري لم يصل بعد الى مرحلة تؤهله لحياة ديمقراطية وتنكر لحق الذين ناضلوا وضحوا من اجل الاستقلال واهدر كرامة الانسان الارتري واستهان بارواح وحرية الآلاف لمجرد التعبير عن آرائهم او الشك في ولائهم.

كما ان التذرع بالتهديد الخارجي لم يكن الا تحصيل حاصل ذلك ان الفردية والدكتاتورية صفات متأصلة في رأس النظام الارتري وسابقة لما ظل يوصف من قبله واتباعه بالتهديد الخارجي. وهو اسلوب ومنهج اخذ يكرسه بوضوح منذ اللحظات الاولى للتحرير بانقلابه المفاجى على العمل داخل الوطن وتنكره لمنهج العمل الجماعي الذي ارسته التجربة النضالية الارترية ورفضه لمقتضيات العمل المؤسسي كضرورة للدولة الوليدة وتكريس نظام فرد مغلف بيافطة حزب لا يقدم ولا يؤخر شيئا في عمل الدولة. اذن اذا كانت هذه هي سيرة وصفات الطرف المحلي الثاني للاتفاق (اسياس افورقي) فان موت الاتفاق في تقديري غير مشكوك فيه وبالتالي فان توقع ثمار ايجابية منه يصبح شيئا اقرب الى الامنيات والاحلام منه الى حقائق.

ثانياً: لاظت ان الورقة تدفع الى القارئ بتعبيرات واوصاف غير دقيقة احيانا وتقحم الموقف الخاص للمعد في المادة، ومبهمة الدلالة - على الاقل في التراث السياسي الارتري - فمثلا تشير الى ان الذين اسسوا حركة تحرير ارتريا هم (من القوميين الارتريين) لا ادرى ما المقصود تحديدا بهذا الوصف فاستخدامه عندنا قد تشعب من معنى الارتباط (بالبعد العربي) في بدايات الثورة واستخدم ايضا للدلالة على الانتماء لعموم البلاد بمعنى مرادف لكلمة (الوطني)، ثم اخذ درجة من التقوقع والانكماش مع تمركز سياسة الجبهة الشعبية التفتيتية للشعب الارتري ثم تعمق هذا المعنى مع تمدد السياسة الاثيوبية الى المسرح السياسي الارتري ليدل على الانتماء العرقي فاستخدم للدلالة على التكوينات السياسية الاثنية (الممثلة للقبائل) الارترية.

ثالثاً: تقول الورقة (وفي نهاية الخمسينات اسس المثقفون والسياسيون الارتريون مقيمون في القاهرة ما عرف باسم بأسم جبهة التحرير الارترية) الملاحظ ان تصدير الاشارة الى جبهة التحرير الارترية بعبارة (ما عرف باسم) فيه أيحاء بعدم رضى او قبول المعد بحركة سياسية ذات اثر عميق وفعل كبير وضع الارتريين وشعوب المنطقة كلها على اعتاب مرحلة جديدة واسهم اسهاما مباشرا في انهيار امبراطورية هيلا سلاسي ولا اجد اي موضوعية لهكذا جنوح الا ان يكون الدافع الى ذلك تسجيلا لموقف شخصي من هذا الحدث الهام في حياة الارتريين والفرق واضح فمثلا الاشارة الى حركة التحرير (الاقل تأثيرا في حياة الارتريين) لم تتضمن هذا التعبير. من ناحية اخرى هناك خطأ في التاريخ فتأسيس جبهة التحرير الارترية كان في يوليو ١٩٦٠م وليس في نهاية الخمسينات كما ورد في الورقة.

رابعاً: ورد في الورقة (في عام ١٩٧٠م تعرضت حركة التحرير الارترية لأزمة شقت صفوفها بعد مزاعم عن عمليات قتل وتصفية للقادة والمقاتلين المسيحيين،بالاضافة الى استياء شريحة واسعة من عناصرها من تقارب الجبهة مع العالمين العربي والاسلامي فبرزت ثلاث مجموعات شكلت النواة الاولى للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا بقيادة اسياس افورقي..) الواقع ان التاريخ السياسي الارتري فيه المسميان (جبهة التحرير الارترية، وحركة التحرير الارترية) وعليه توجب التصحيح ان الذي تعرض للازمة المشار اليها هي جبهة التحرير الارترية وليست حركة التحرير الارترية كما اشارت الورقة هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فان الذي اسس انشقاقه على المزاعم المشار اليها هم اسياس افورقي وجماعته وكذلك هم الذين عبروا عن الاستياء المذكور في الفقرة وليس المجموعات الاخرى.

اما القول بان المجموعات الثلاثة التي توحدت قد شكلت النواة الاولى للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا قول مخالف للحقيقة ذلك ان التنظيم الوليد من وحدة المجموعات الثلاثة كان (جبهة التحرير الارترية - قوات التحرير الشعبية) برئاسة الشهيد عثمان سبي. اما التكوين الذي شكل نواة الجبهة الشعبية فهي مجموعة انشقت من الجبهة كانت تسمي نفسها (سلفي ناظنت) اي طابور الحرية برئاسة اسياس افورقي واندمجت مع المجوعتين الاخريين ليصبح المولود قوات التحرير الشعبية اما الجبهة الشعبية فقد برزت عن خلاف دب في قوات التحرير الشعبية بعد زهاء عقد ونصف من العمل.

خامساً: تقول الورقة: (بعد ان تمكن افورقي من هزيمة جبهة التحريرعام ١٩٨٢م انقسمت فلولها الى فصائل مختلفة وابرزها جبهة التحرير تحت قيادة عبد الله ادريس وهو عقيقي من بني عامر، جبهة التحرير - المجلس الثوري - بقيادة احمد ناصر وهو من اصل اثنية الساهو - العساورتا).

وهنا يظهر المركز الذي اعدت الورقة ونشرت باسمه وكأنه خصم لتجربة جبهة التحرير الارترية وتفوح رائحة الشماتة والتشفي في تعمد التكرار لعبارة (فلول) جبهة التحرير (٤ مرات في هذه الفقرة) ومؤكد ليس في مثل هكذا منحى اية فائدة يجنيها المركز. اما فيما يتعلق بذكر اسماء الشهيدين عبدالله ادريس واحمد ناصر ملحقة بالمكون الاجتماعي الذي ينتميان اليه فان الامر لا يشكل اية سبة بقدر ما في الانتساب اليهما من شرف الوطنية والنضال من اجل الحرية والاستقلال.

اما الغرابة في هذا التناول فهي في افراد الشهيد الرمز عبدالله ادريس دون غيره ممن ذكرتهم الورقة بنسبته الى جغرافيا محددة عبر وصفه بانه (عقيقي) - ربما نسبة الى عقيق - السودانية فهل في هذا رسالة بنسبته الى خارج ارتريا ؟ الحقيقة التي لا جدال فيها ان الشهيد عبدالله هو ابن مجتمع كبير له تواجد وامتدادات عبر التاريخ في كل من ارتريا والسودان واثيوبيا ومصر. اما عبدالله ادريس في المسيرة النضالية للشعب الارتري فهو علم في رأسه نار وسيرته لا تحتاج الى تنقيب ولا تقبل التزوير فقط يكفيه انه اصغر ارتري يلتحق بالشهيد حامد ادريس عواتي مفجر الكفاح المسلح وان كان لابد من نسبته الى مكان فكان الاحرى بالورقة ان تنسبه الى مسقط رأسه فهو من مواليد (قرابيت) في منطقة شلاب ببركا لعال.

الم اقل لكم ان هذه الورقة مليئة بالعيوب والسطحية والهوى ؟ فقد ذكر فيها اسياس افورقي من غير ان ينسب الى مكان رغم مافي التاريخ من شواهد حاضرة لاماكن جذوره التي مازالت تشده بقوة الى خارج ارتريا.

Top
X

Right Click

No Right Click