شهادات مؤلمة - الحلقة الرابعة

بقلم مولانا: عبدالله خيار

مازالت التدخلات مستمرة ولكن بصورة أكبر وأشكال مختلفة. اغردات مدينة هادئة ووديعة، رغم إنها ساخنة جداً أثناء ساعات النهار

عبدالله خيار

إلاّ إنها في الأمسيات ساحرة وجميلة تكاد تشتم رائحة أشجارالسواقي تحملها اليك نسمات المساء، وهي المدينة الوحيدة التي منحنتني الهدوء والتأمل.

كنت أقضي أطول فترة ممكنة أثناء النهار في مكتبي ولا أهتم بالعودة إلي منزلي بعد إنقضاء ساعات العمل لانني كنت عازباً في ذلك الوقت وساعدني ذلك الجو علي قرأءة الكثير من الكتب والملفات القضائية بعناية، في إحدى ايام اكتوبر 2003 كان التوقيت حوالي الساعة الرابعة عصرا، وأنا مشغول بترتيب بعض الملفات، يبدو أن أحد المواطنين لاحظ أن مكتبي مفتوحاً وقف في الباب وحياني بأدب وقال لي أنا لدي شكوى أريد أن أقدمها لك يا مولانا، قلت له إن ساعات العمل قد إنتهت الآن ولكن يمكنك العودة غداً صباحاً بعد الساعة الحادية عشر، قال لي أمرك يا مولانا وخرج.

عاد في اليوم التالي، ابتدرته قائلا ًماهي الشكوى التي تريد أن تقدمها ؟

قال: لدي أخ يعيش في منطقة دقي وهو أحد مسؤلي الادارة هناك ولأسباب لا نعلمها تم احتجازه في مركز شرطة اغردات وبعدها تم نقله إلي سجن بارنتو الاصلاحى، لقد مضى علي احتجازه بدون محاكمة 33 يوماً.

سالته هل أنت متاكد من وجوده في سجن بارنتو الاصلاحي ؟ وأضفت قائلاً هذا السجن من السجون النظامية ولا يمكن أن يدخله أي شخص إلاّ بأمر من المحكمة. أكد لي وجوده هناك في ذلك السجن. قلت له في هذه الحالة عليك أن تفتح ملفاً قضائياً لان هذا يُعد اختراقاً لقواعد مصلحة السجون حيث لا يُسمح بوضع أحد المواطنين في سجن نظامي بدون صدور أمراً من المحكمة.

بناء علي ذلك صرحنا الدعوي وكتبنا أمراً باستدعاء مدير سجن بارنتو وبرفقته المواطن المحتجز لديهم وحددنا تاريخاً للجلسة.

قبل أن يصل أمرالاستدعاء الي مدير السجن كان وكيل نيابة بارنتو في جولة تفقديه للحراسات والسجون في بارنتو ووجد هذا المواطن داخل السجن وسأل مدير السجن عن أسباب وجود هذا الشخص بدون أمر من المحكمة، أجابه مدير السجن أن هذا الشخص أحضر بواسطة حاكم الاقليم مصطفى نور حسين، ويبدو أن وكيل النيابة تحدث مع الحاكم في هذا الموضوع، لذا إتصل عليّ حاكم الاقليم وسالني سؤالا مباشراً الا يحق لي أن أقوم بسجن أي مواطن إذا ارتكب جرماً باعتباري حاكماً لهذا الاقليم ؟

أجبته قانوناً لا تستطيع ولكن دعني أسألك لماذا تريد أن تسجن ؟ مهمتك الاساسية أن تتولي شئؤن الادارة في هذا الاقليم، أما سجن الاشخاص وإطلاق سراحهم فهي مهمة الشرطة والمحاكم، لم يطيل الحديث شكرني وأقفل الخط، ولم يوضح لي إن وكيل النيابة تحدث معه وحذره من مغبة أن يقوم بسجن أي مواطن.

في الجلسلة التي حددناها لحضور مدير السجن برفقة المواطن المحتجز لديهم،حضر هو ونائبه ودار الحوار التالي:-

المحكمة: أين الشخص الذي كان محتجزا لديكم ؟

مدير السجن: سلمناه لحاكم الحاكم.

المحكمة: كيف وصل هذا الشخص من الاساس الي سجنكم ؟

مدير السجن: جاءنا عن طريق حاكم الاقليم.

المحكمة: هل لديك لائحة عمل ؟

مدير السجن: نعم.

المحكمة: وماذا تقول تلك اللائحة بشأن السجناء الذين تستقبلهم في سجنكم ؟

مدير السجن: لا يمكننا إستقبال أي سجين في هذا السجن إلاّ بقرار من المحكمة.

المحكمة: وهل حاكم الاقليم لديه سلطات محكمة حتى يرسل اليك سجين ؟

مدير السجن: لا.

المحكمة: إذن انت ارتكبت خطأً فادحاً بمخالفتك لائحة العمل التي تعمل بها وقمت باستقبال سجين بدون وجود قرار صادر من المحكمة.

مدير السجين: نعم، لكن ارجو من محكمتكم المؤقرة أن تتفهم وضعنا، نحن إدارياً نخضع لسلطات حاكم الاقليم وبالتالي يصبح صعباً علينا مخالفة قرارته وأوامره.

المحكمة: إداريا أنتم تتبعون إدارة السجون في كرن وليس لادارة الاقليم لذا هذا مبرر غير كافي لاحتجاز مواطن بدون موافقة المحكمة، عليه سوف نتخذ ضدك بعض التدابير الادارية بالتنسيق مع ادارة السجون ولكن نحذرك بان لا تكرر مثل هذه التصرفات مرة اخري وإلاّ سوف نقوم بتقديمك للمحاكمة عبر النيابة.

مدير السجن: أعدكم بأن لا يتكرر هذا الفعل مرة اخرى.

أخيراً سالناه إن كان يعلم أين تم احتجاز هذا الشخص بعد أن سلمه لحاكم الاقليم ؟

أجاب إنه لا يعرف، ولكن إتضح لنا بعد فترة إنه تم أخذه الي سجن بريمو كنتيري التابع للجيش جنوب بارنتو. هنا أصبح الموضوع خارج صلاحيتنا بوجود هذا المواطن في سجن عسكري، وقبل أن نتخذ تدابير آخرى في مواجهة حاكم الاقليم نشب خلاف حاد بين الحاكم العسكري للاقليم الجنرال فليبوس وحاكم الاقليم مصطفى، نتيجة لهذا الخلاف قام الحاكم العسكري باطلاق سراح هذا المواطن نكاية بحاكم الاقليم الذي كان قد سلمه هذا المواطن بعد إخراجه من سجن بارنتو الاصلاحي، وبذلك سدت كل الطرق أمام حاكم الاقليم ولم يعد هناك مكان آخر يستطيع إحتجازه فيه، لذا لم يعترض سبيله فعاد الي أهله سالماً غانماً.

بعد هذه الحادثة بفترة طويلة تم نقل الحاكم العسكري وحل محله الجنرال قرزقهير عند ماريام (وجو) قائداً لغرفة العمليات الخامسة.

في نوفمبر 2007 تم نقلي رئيسا للمحكمة العليا لاقليم عنسبا، وأنا في كرن سمعت أن الجيش قاموا باخذ أحد السجناء من سجن بارنتو الاصلاحي وأحتجزوه في ثكناتهم. لم يكن لدي تفاصيل هذه الحادثة إلي أن جاء الي مكتبي الكولونيل (ودي قري) مسؤول السجون لاقليمي عنسبا والقاش بركة (مقره كرن)، وهو غاضبٌ جداً وقال لي إنه غداً سوف يذهب إلي بارنتو لمقابلة الجنرال (وجو)، سألته مابك غاضبٌ لهذا الحد ؟

أجابني: ألم تسمع ما حدث في سجن بارنتو ؟ قلت له سمعت ولكن ليست لدي تفاصيل ما حدث.

قال: حضر عدد من افراد الجيش يتبعون للجنرال وجو إلي مقر سجن بارنتو وطلبوا من مدير السجن أن يسلمهم أحد السجناء، مدير السجن رفض طلبهم وأوضح لهم إنه لا يستطيع أن يسلمهم لان هذا الشخص لديه موعداً في المحكمة، قالوا له لا عليك نحن سوف نحضره الي المحكمة فقط أعلمنا بتاريخ ومكان الجلسة. مدير السجن أكد لهم إن ذلك غير ممكن وإنه لن يتحمل مسؤلية تسليم هذا الشخص، عندما أصر علي رائه عادوا الي الجنرال وقالوا له مدير السجن رفض تسليمنا الشخص المطلوب، فقال لهم اذن احضروا مدير السجن واعتقلوه بدلاً عن ذلك الشخص، بالفعل عادوا الي السجن واحتجزوا مدير السجن وأحضروه الي معسكر الجيش وخيروه بين تسليم ذلك الشخص أو أن يعتقل هو، تحت هذا الضغط سلمهم مدير السجن ذلك الشخص المطلوب.

قلت: هذا شئ مؤسف للغاية كيف تثنى لهم أن يفعلوا ذلك ؟

قال: لهذا إني ذاهبٌ يوم غداً إلي بارنتو للتحدث مع الجنرال في هذا الموضوع وإسترجاع السجين، شجعته قائلا إذهب وتحدث إليه، يجب أن تفعلوا أي شئياً لاستعادة هذا السجين حتى ولو أقتضى الامر أن تذهبوا الي مكتب الرئيس لان هؤلاء العسكر إذا سمحتم لهم بان يفعلوا هذا مرة واحدة سوف يكررون ذلك مرات عديدة، وبذلك يسلبون منكم صلاحياتكم بالتدخل في صميم أعمالكم، وحرضته أكثر قائلاً هؤلاء العسكر حاولوا التدخل في سلطاتنا ولكننا قفلنا الطريق أمامهم حتى الان، لذا لابد ان تبذلوا انتم أيضا ًكل جهدكم لاستعادة هذا السجين.

خرج من عندي وهو متحمساً اكثر من ذي قبل ووصل في اليوم التالي إلي بارنتو ولكن حسبما علمت من أحد الاصدقاء ان ( ودي قري) لم يستطيع مقابلة الجنرال (وجو) لان العساكر عرفوا سبب قدومه وسدوا عليه الطريق واعتذروا له بان الجنرال غير موجود. رغم إنه كان موجوداً في مكتبه. لا عليك يا ود قري لقد فعلت ما يقتضي عليك فعله. الله غالب.

تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click