العهد الإرتري نحو سلام عادل ومستدام - الباب الأول

إعداد: مجلس إبراهيم مختار

إحياء العهد الإرتري: إننا، معدو هذه الوثيقة، نمثل مجموعة متنوعة من الإرتريين المشغولين

بقضايا المجتمع، ينتمي أفرادها إلى مختلف مشارب الحياة، من داخل إرتريا ومن بين المجتمعات الأرترية في دول الشتات، ننحدر من خلفيات إثنية وإقليمية وسياسية مختلفة، وقد ساهمنا في النضال من أجل الإستقلال، كغيرنا من الأرتريين، على المستويات الفردية، وبدرجات متفاوتة.

كما ظللنا نيابة عن شعبنا، نعبر عن رفضنا للمظالم المستديمة التي أوقعها نظام الجبهة الشعبية(2) الإثنوقراطي(3) على شعبنا الأرتري منذ العام 1991م، وبالتماهي مع ذالك، ظللنا ندعو إلى فتح حوار بناء من أجل التصدي لواجب المصالحة الوطنية التي أضحت ملحة لا تحتمل التأجيل، والدعوة إلى تبني مبدء الوحدة في إطار التنوع، الذي يمثل حجر الزاوية للسلام والإستقرار والعدل في إرتريا، ولكن، وللأسف، فقد ذهبت أصواتنا أدراج الرياح ولم تنل دعوتنا إلا القليل من التجاوب الذي لم يكن كافيا لإحداث تغيير ذا مغزى.

وبعد مداولات وصراع حول أنجع السبل لمقاربة هذه القضايا العصية، توصلنا إلى قرار جماعي بالسير على الخطى والتقاليد الوطنية التليدة للمسلمين الأرتريين، في مقاومتهم للإضطهاد والهيمنة التي بدأت في أربعينيات القرن الماضي وفتحت الباب على مصراعيه لنمو روح المقاومة التي لعبت دورا محوريا في بروز الحركات الوطنية ومن ثم أفضت تدريجيا إلى تحقيق الإستقلال. ولكن، وبعد مرور سبعين عاما، نجد أن المطالب العادلة في الإنصاف والمساوات التي كانت السبب الرئيسي وراء نشوء الحركة الإستقلالية، نجدها وقد راوغت المسلمين الأرتريين على وجه الخصوص، وأصبح من الضروري بالنسبة لنا التفكير مليا في صيغة جماعية نعبر بها عن قناعاتنا، لا سيما في عالم ما بعد احداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر حيث أصبحت سياسة الترهيب الانتهازية تجارة رائجة للزمرة الحاكمة في أسمرا وحتى في أوساط بعض السياسيين في معسكر المعارضة. نقوم - في هذه الوثيقة - بإجراء دراسة لكل هذه القضايا في سياق حالة التدهور الكامل الذي تشهده إرتريا،مما يدعونا لرفع صوتنا لمواجهة التهديد الماثل، المتمثل في السياسات العرقية للجبهة الشعبية، تلكم السياسات التي تهدد بنسف التعايش السلمي والإحترام المتبادل بين المسحيين والمسلمين، ونرفع صوتنا لتعميق مستوى الوعي الجماهيري بهذه القضايا الحاسمة والتعقيدات الضمنية الواسعة لهذه النزاعات على مستقبل رفاهية وأمن البلاد.

إننا هنا، نحاول إشعال روح المبادرة ومحاربة الجور، والأمل يحدونا في استئصال حالة اللامبالاة والإنتهازية والحرص على المصالح الشخصية الضيقة المتنامية في بعض الأوساط، ونحث كافة الأرتريين ذوي العقول المستنيرة العادلة للنهوض بإجتراح حلول عملية خلاقة ما وسعتهم الحيلة، لوضع حد لهذه النزاعات الممتدة عقودا، تلك النزاعات التي أعاقت مجهوداتنا في المصالحة وكانت نتيجتها سبعون عاما من الفرص الضائعة عن التطور الإجتماعي -الإقتصادي وحرمت شعبنا من المنافسة في الأسواق الإقليمية إن لم نقل الأسواق الدولية، إن حزمة القضايا هذه مهمة جدا ومعقدة وليس من العقل ترك ملفاتها لإجتهادات السياسيين وحدهم.

وهكذا، وانطلاقا من هذه الرؤية الجديدة كليا وروح البناء التي نطمح من خلالها اجتراح حلول تعود بالفائدة على جميع الأطراف الأرترية، دون أي يكون هناك طرف خاسر، فإننا قد قررنا المجاهرة بمصادر قلقنا وطرح آرائنا المتعقلة بالسبل الكفيلة لمواجهة التحديات التي أمامنا، والطرق الممكنة للتقدم نحو إرتريا حديثة وديمقراطية ومستقبل مشترك يحتوينا جميعا دونما إقصاء، نعتقد جازمين بأن التحديات التي أمامنا لاتزال تحت حدود سيطرتنا على الرغم من أنها تبدو عصية لا تقهر، ويمكن حلها بتطبيق مقاربة التحول الجذري، مررنا بالكثير من التحديات وواجهنا العديد من المعوقات خلال تاريخنا النضالي كما ضاعت العديد من الفرص من بين أيدينا والتي كان من الممكن تحويل مجرى تاريخنا من خلالها نحو مجتمع تسوده العدالة، بالنسبة لمواجهة التحديات الراهنة لدينا فرصة تتمثل في نافذة ضيقة يجب أن نضع أيدينا عليها جميعا حتى نتمكن من بناء وطن يتمتع بالإزدهار والسلام والإستقرار، وطن يحتضننا جميعا ونفتخر بمناداته ”بيتنا” بشكل جماعي.

الباب الأول - الأهداف:

الفصل الأول: للتأكيد على حقوقنا وجوهر قيمنا وطموحاتنا، والمبادء التي نسترشد بها بالنسبة لنظرتنا نحو إرتريا والإرتريين، أعددنا هذه الوثيقة لتحديد موقفنا ونرجوا أن تكون عاملا مساعد في ذالك.

أ) سرد تحذيري للوضع المتدهور في إرتريا وما يتضمنه من مخاطر على الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين.

ب) وسيلة تعريفية لأولئك الذين ربما لا يدركون حقيقة الأوضاع القانونية والإجتماعية والإقتصادية للمسلمين الإرتريين.

ت) التمثيل الموحد والعادل لتحديد الموقف ومنبر للحوار بين الأرتريين في محاولة لخلق بيئة صحية.

ث) وثيقة للمناقشة لتحفيز وإثارة النقاشات حول الحلول والمخارج الممكنة نحو حل النزاعات غير المستقرة في مجتمعنا.

الفصل الثاني: في ما يلي نقدم شرحا تفصيليا لبعض القضايا الملحة التي تحظى بعميق الإهتمام لدى المسلمين الإرتريين الملهم الأساسي لمبادرتنا هذه، القصد منها أن تكون نقطة البداية مع بعض التوصيات التي من شأنها تعزيز موازين العدالة في الإتجاه الصحيح، علما بأن بعض النزاعات من السهولة تحديدها ووضع الحلول المناسبة لها، بينما بعضها أكثر صعوبة ولا يمكن تحديدها ولا حلها إلا في ظل حكومة شرعية وتمثيلية، المسلمون الإرتريون يدركون هذه القضايا ولكنهم يتمسكون بالصبر مادامت هناك جهود حقيقية مرئية تبذل لحل هذه النزاعاة، لكنها قضايا لا يمكن تأجليها لأنها لا تقبل التأجيل أبعد من حقبة ما بعد الجبهة الشعبية، وعليهم تضمينها في الحوار الوطني الجاري راهنا للتغيير للديمقراطي في إرتريا.

الفصل الثالث: لحظة إرترية: في هذا المنعطف التاريخي، ننتهز هذه اللحظة لنتحدث الآن، لأننا أصبحنا قلقون بشكل متزايد من التطورات الأخيرة التي فاقمت الأوضاع المختلة أصلا. وهي:-

أ) فرض مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة عقوبات على النظام الإرتري في ديسمبر 2009م لدوره في زعزعة استقرار الصومال ورفضه التفاوض مع جيبوتي لحل قضية الحدود بين البلدين،إن نص قرار الأمم المتحدة يعتبر صورة مصغرة للإحباطات على مستوى المنظمات الإقليمية والدولية في التعامل مع المغامرات العسكرية لنظام إسياس أفورقي في السودان وإثيوبيا واليمن والآن جيبوتي، ولا شك أن الحظر المفروض على استيراد وتصدير السلاح يضع إرتريا في خانة عدم الثبات للدفاع عن نفسها حيث أصبحت دولة منبوذة في نظر المجتمع الدولي، ولقد حظي هذا القرار بتأييد الإتحاد الإفريقي، إنها المرة الأولي في تاريخ هذه المنظمة القارية تدعو لفرض عقوبات على دولة من بين أعضائها. سبق أن دعت منظمة الوحدة الإفريقية لفرض عقوبات على نظام الأقلية البيضاء العنصري في جنوب إفريقيا عام 1974م لكن لم يكن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا عضوا في المنظمة آنذاك، ولذا فإن هذه العقوبات مؤشر على الخطورة غير المسبوقة للأوضاع في إرتريا.

ب) الشجب والصيحات العالية لحملة الإستيطان وانتزاع الأرض من أصحابها والتي تتبناها الحكومة الأرترية حاليا في المنخفضات الإرترية. وقد أعلن النظام رسميا خلال اجتماع مجلس وزرائه في ديسمبر 2009 بأن نقل المزارعين من المرتفعات وتوطينهم في المنخفضات سوف يكون في أعلا قائمة أولوياته، لمواجهة نقص السيولة والغذاء التي هي نتيجة لسياسات عتيقة عفى عنها الزمن وممارسات فاشلة ينفذها النظام.

ت) منذ العام 2000م حدثت تغيرات جذرية في مكوناة جيش الدفاع الأرتري(4) وذالك نتيجة فرار المجندين إلى دول الجوار إضافة إلى توقف النظام عن التجنيد القسري للفتيات، ومع ذالك ظل المسيحيين الناطقين بلغة التجرينيا يشغلون نسبة 90% من المناصب القيادية في أجهزة الدولة بما فيها الجيش(5) بالرغم من أنهم يشكلون أقل من 50% من عدد أفراد منتسبي الجيش الأرتري حسب إحصائيات من مصادر موثوقة، إن اختلال التوازن هو أحد مصادر التوترات السياسية في المجتمع بشكل عام والعصيان وهبوط الروح المعنوية في أوساط الجيش بشكل خاص، ويعود جزء من هذا التوتر إلى حقيقة امتعاض المسلمين العميق من استخدام التجنيد للخدمة الوطنية وسيلة رئيسية لتعزيز تجرنة المجتمع الإرتري.

ث) علاوة على ذالك فإن تجمد بركة الحرب الحدودية أخذت ضريبة باهظة ظل المجتمع الإرتري يدفع ثمنها خلال السنوات العشر الماضية وبلا نهاية منظورة في الأفق، كما أن عين النظام الإثيوبي الراغب في إضعاف إرتريا من خلال حرب الإستنزاف لم تغفل عن مراقبة الفرار اليومي للجنود الإرتريين، بالنسبة للإتحاد الأوربي والولايات المتحدة يبدو أن شح المعلومات عن مكونات الجيش الأرتري ومدى تماسكه وروحه المعنوية تعيق صناع القرار الأوربيين والأمريكيين من اتخاذ مواقف حاسمة ضد النظام خوفا من المخاطر المحتملة على المنطقة، بعض السياسيين الراغبين في الحفاظ على الوضع القائم لأسباب طائفية لا يريدون زوال النظام العرقي الحاكم إما بمحاولة الدخول في صفقات سرية مع النظام أو باستخدام التخويف من المخاطر المحتملة لسقوط النظام وضرب المثل ب”فوضى الصومال” كبطاقة تخويف.

ج) أكثر ظهورا، حيثما تكون هناك حملات للتجنيد الإجباري نجد أن بعض الإرتريين من سكان المرتفعات يصبون حنقهم على الجنود البسطاء الذين ينفذون تلك الحملات، وفي الغالب الأعم يكون هؤلاء الجنود من سكان المنخفضات المسلمين وقد أنذرنا من خطورة الوضع بناءا على أحداث مماثلة وردت إلينا عن التوتر الإثني والديني بين الجيش والمدنيين.

ح) تقترح الشواهد المحكية بأن غالبية الشباب الذين يفرون من أداء الخدمة العسكرية هم من المسيحيين الناطقين باللغة التجرينية من سكان المرتفعات، مما يجعلنا نستحضر ذكريات تأريخنا المؤلم تتعلق بالإدراك السائد بأن قسما بعينه من مجتمعنا يعتبر أقل تفانيا في القضايا الوطنية، كما أن سياسة القتل بإطلاق النار المباشر على الهاربين في الحدود يقوم على تنفيذها أولئك الذين يرتبطون إثنيا بالفارين من أداء الخدمة ولذا فإنهم يفسرونها على أنها من قبيل قتل الأخ لأخيه وبالمقابل تضعهم في خلاف مع من يمتعضون من إجبارهم على البقاء للدفاع عن البلاد.

خ) جذبت الإضطرابات التي حدثت في منطقة شرقي أكلي قزاي في يونيو 2009م تأييدا شعبا واسعا وتضامنا في أوساط المجتمع المحلي المسلم نتيجة للغضب الناتج عن اعتقال الجيش لأفراد أسر الجنود المتمردين ومصادرة ممتلكات عائلاتهم،و اندلعت الشرارة الأولى لتلك الإضطرابات عندما حاول ضابط مسلم برتبة نقيب إيقاف قائده من إكراه فتاة مسلمة مجندة في الجيش على اتخاذها خليلة من خليلاته، تلك الممارسة المروعة التي يزاولها أفراد العصابة الحاكمة وقادة جيشهم بشكل عام.

د) بعد انتهاء الحرب الحدودية عام 2000م وبعد إدراك التأثيرات الكارثية لسياسة تجنيد النساء في الجيش أوقف النظام التجنيد القسري للنساء بينما يواصل عقابهن بالحرمان من الفرص التعليمية والعمل وتأشيرات الخروج من البلاد. الكثير من الفتيات المسلمات في المناطق الريفية تم حرمانهن من الحصول على التعليم بسبب رفض أولياء أمورهن السماح لهن بأداء الخدمة العسكرية وبالتالي استخدامهن كخليلات لضباط النظام الفاسدين،تقرير صندوق النقد الدولي يؤكد بأن الفجوة التعليمية بين الذكور والإناث في أرتريا تعتبر أسوء مما كانت عليه قبل استقلال إرتريا(6).

ذ) منذ العام 1991م، ظل نظام الجبهة الشعبية يضع العراقيل أمام نصف مليون لاجئ أرتري مسلم بغرض منعهم من العودة إلى ديارهم بينما يستمر في معاملة الأرتريين المسلمين في الداخل كمواطنين من الدرجة الثانية.

ر) فشل نظام الجبهة الشعبية في خلق مناخ سياسي واقتصادي يعيش في ظله الشعب الأرتري بمختلف شرائحه في تآلف وسلام.

ز) إن المواقف التفضلية بل والعدائية أحيانا تجاه المسلمين الأرتريين من قبل بعض الجماعات المحسوبة على المعارضة كما تم رصدها من خلال الممارسات الإقصائية المتعمدة، قد أضافت بعدا جديدا إلى قضيتنا الملحة وقلقنا من سلوكيات اللامبالات وانعدام الإحساس تجاه مأزق المسلمين الأرتريين لا سيما فيما يتعلق بإشكالية حق العودة للاجئين وحملات الإستيطان الراهن بانتزاع الأرض من أيدي أصحابها.

س) لا يملك المسلمون الأرتريون جماعات ضغط (لوبي) في الدول الغربية تدافع عن قضيتهم أو تكافح لتحقيق مصالحهم.

الفصل الرابع: إن سياسة انتزاع الأرض التي تتم تحت الرعاية الرسمية للدولة أصبحت بؤرة التحول التي أعطت غالبية الأرتريين المسلمين سببا وجيها في استخلاص النتيجة التي طالما ساورهم الشك بشأنها وهي سياسة التطهير العرقي المنظم، وإفراغ المنخفضات الأرترية من ساكنيها لجلب مستوطنين من المرتفعات ليقطنو مكان السكان الأصليين لتكتمل المهمة، إن السياسات الضالة والممارسات الطائشة والمواقف المبنية على أسس إثنية عنصرية التي ظل ينفذها نظام الجبهة الشعبية قد أضعفت وقوضت وحدتنا الوطنية وفاقمت التباين السياسي والتاريخي والإجتماعي والإقتصادي بين اثنين من مكونات مجتمعنا.

الفصل الخامس: من ناحية أخرى، نحن متفائلون برؤية الجنود وهم يفرون ويتخلون عن النظام بشكل يومي مما يؤكد رفضهم لسياسة التفريق وتحريض الأرتريين بعضهم ضد بعض على أسس إقليمية وعرقية ودينية، وأننا متفائلون أيضا بأن الكفاح من أجل العدالة قد تمخض عن قوة مقاومة متنوعة تمثل الفسيفساء الإرترية تمثيلا حقيقيا رافعة شعار العدالة والإنصاف.

تـابـعـونـا... في الباب القادم

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click