حوار مع الفنان التشكيلى الأريتري المبدع سليمان بخيت

حاوره الإعلامي الأستاذ: جمال همد  المصدر: عدوليس ـ ملبورن

• أنا مجرد إنسان بسيط يطغي في أعماقه ميزان الخير على الشر..

• ربع قرن على الإستقلال وبروز الدولة الوطنية الإريترية..

• ربع قرن تغيرت فيها وجوه الحياة الإريترية كثيرا..

الآمال التي كانت تعلق على منتوج الإستقلال الذي توج نضال شعب لثلاثة عقود يكاد يتلاشى، الحكومة التي سيطرة على البلاد قلبت راسا على عقب تلك الأمال، قوى التغيير السياسي تكاد تعجز حتى إشعار آخر تغيير الوضع الإريتري لصالح آمال الشعب.. الإصطراع السياسي الذي طبع حياة الكفاح المسلح لا يزال يوجه الحياة العامة في بلادنا، إلا ان هنالك من يحفر على الصخر لإيجاد مكانته الطبيعية للمساهمة في التغيير وإثراء جفاف الحياة.. القوى المدنية والكتاب والشعراء والروائيين والتشكيلين ..الخ من القوى التي تشتغل بين السلطة والمجتمع يبرز دورها يوما إثر آخر.

سليمان محمد بخيت المولود بمدينة كرن، تخرج من كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق.. الرجل الهاديء.. قليل الحديث والحالم بغد أفضل كان ضيف (عدوليس) في إفادات مهمة حول الفن التشكيلي الإريتري.

هل يمكن ان ترسم لنا صورة لتاريخ الفن التشكيلي في إريتريا؟

هذا سؤال مهم، وبالرغم من أنه في صميم تخصصي ومجال إشتغالي إلا ان الإجابة عليه ليست سهلة بالنسبة لي، لأنه ومن الصعوبة بمكان أن نؤرخ لمجتمع ما أو فن ما من دون أن يكون لدينا وثائق أو أدلة نستند عليها وتطون مرجعنا و ما بحوزتنا من الوثائق عن مجمل الإنتاج الثقافي بصورة عامة هو شحيح جدا وبالذات عن حقبة الكفاح المسلح وهي ثلاث عقود من دموع ودماء وعرق، فما بالك ان نؤرخ للفن التشكيلي!، لذا اجابتي سوف تنطلق من وجهة نظر شخصية، ومعرفتي المتواضعة جدا في هذا الشأن. في اعتقادي في المرحلة الأولى من المرجح كان هناك فنانين تشكيليين إيطاليين أيام الاستعمار الايطالي لإريتريا و من المؤكد أن الأعمال الفنية التي كانوا ينتجونها لم تكن نابعة من التراث والارث الثقافي للشعب الإريتري وبالتالي لم يكن فنهم هذا موجه لأهل البلد أو لإثراء ثقافته، لأن الاستعمار الأوربي بصفة عامة كان ينطلق أصلا من فكرة التفوق العرقي بجانب فكرة السيطرة على الموارد الأولية من أجل الربح الاقتصادي.

وبناء على ذلك لا يمكن إدراج الفن التشكيلي الإيطالي الذي تم إنتاجه إبان الاستعمار الايطالي في خانة الفن الوطني إلا إذا كان ترك هذا الفن أثرا في من احتك بهم من أهل البلد، وهذا غير مؤكد. أما المرحلة الثانية هي المرحلة التي واكبت بزوغ جبهة التحرير الاريترية، المفجرة للطاقات الاريترية الكفاحية عبر وسائله المتعددة وفي مقدمتها الكفاح الشعبي المسلح، كان بامكان ان تواكب تلك المرحلة فن تشكيلي محرض وفي نفس الوقت فن متفائل حالم بمكوناته الإنسانية يكرس للمسيرة النضالية للشعب الاريتري.

إلا ان بدايات الثورة الصعبة والقاسية وظروف العمل العسكري الميداني من جانب والمستوى الثقافي والتعليمي المتدني من جانب آخر حال دون ذلك. إلا أنه يبدو في أواخر السبعينات كانت هناك محاولة حثيثة لبث الروح في الفنون التشكيلية حيث ان مجموعة من المقاتلين أقامت معرضا تشكيليا في الميدان عام 1979م، إلا أن ذلك العمل لم يوثق، ولذا لم يصلنا شيء مؤكد عن تلك الفترة ولا ندري إن كان ذلك المعرض وليد لحظة أم كانت هناك فعلا حركة تشكيلية نشطة في الميدان. في اعتقادي أن فن التشكيل الاريتري المعاصر بمعناه الحديث بدأ بشكل فعلي في حقبة السبعينات على أكتاف الرواد من أمثال الفنان الأستاذ محمد نور سعيد علي هذا الفنان الأكاديمي المبدع والذي تخرج من كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق في أواخر السبعينات شارك في عدة معارض تشكيلية في دمشق في تلك الفترة. ولعل أبرز مساهماته كانت من خلال مجلة "الثورة الإريترية" التي كانت تصدرها جبهة التحرير الاريترية ببيروت.

بعد التحرير رجع إلى الوطن ويبدو تم توجيهه للعمل في مجال آخر ولذلك قلت أعماله التشكيلية. وكان من أبرز الفنانين التشكيليين الأكاديميين ومن المؤسف أن الظروف لم تساعد محمد نور للتفرغ في إنتاج الأعمال الفنية حيث كان سيصبح بلا شك وجهنا نحو العالمية في هذا الفن. ومن الرواد ايضا الفنان التشكيلي محمود دبروم، وشخصيا اعتبره واحد من أعمدة الفن التشكيلي الاريتري المُعاصر، وبمثابة حجر الزاوية في الحركة الفنية التشكيلية الاريترية، به ومن خلاله كانت الولادة الموفقة لتأسيس فن تشكيلي اريتري مُعبر عن شجون الشعب الاريتري. ودبروم هو وجه ثقافي له حضوره المميز في كافة المساحة الفنية التشكيلية وهو بحق يمكن نقول عنه ـ الأب الروحي للفن التشكيلي الاريتري.

ولعل السبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى مواصلة دبروم دون توقف في الإنتاج لمدة أربعة عقود أو يزيد وبالتالي فإنتاجه يمثل لنا ارثا ثقافيا نبني عليه. أما ميكائيل ادوناي فقد برز أواخر الثمانينات واشتهر بعد الاستقلال وهو بحق فنان تشكيلي ممتاز طور نفسه بنفسه، وأوجد أسلوبا خاصا به. ويبدو أنه تفرغ ومنذ البداية لفنه كليا ساعده في اعتقادي للتركيز في العملية الإنتاجية. ولذا وصل الى ماوصل اليه. هناك ايضا فنانين تشكيليين ممتازين أمثال رمضان ياسين و محمد انغا وجمال آدم وغيرهم يواصلون العطاء في هذا المجال. يقيني أن هناك عدد لا بأس به من الفنانين التشكيليين الشباب حول العالم ونأمل في المستقبل أن تكون هناك جهود مشتركة لعمل ثقافي مشترك ماء.

كيف تقدم نفسك للقاري؟

أنا مجرد إنسان بسيط يطغي في أعماقه ميزان الخير على الشر، أحلم كغيري من البشر ان اعيش حياة كريمة تليق بالإنسان على هذا الكوكب. احترم رأي و معتقدات وقناعات الآخرين بصدق، ولا أفرط أو أجامل في قناعاتي الشخصية أو ما أؤمن به. عملي في التدريس لأكثر من 20 عاما أكسبني شيء من المرونة في التعامل مع الناس. أجاهد ان اكون انسانا سويا ونافعا قدر الأمكان اولا لنفسي ولعائلتي الصغيرة ومن ثم لمجتمعي الذي شكلني على ما أنا عليه وايضا للمجتمع الذي هو أنا ضيف عليه.

من الملصق السياسي (البوستر) إلى رسم اللوحات والبورتريهات التي تمثل النضال (محمد نور سعيد علي وميكيل أدوناي ـ في مراحله الأولى) وآخرون في فترة النضال إلى رسم اللوحات الأقرب للفوتغرافية والبورتوريهات التي تعكس الأزياء والوجوه الإريترية (دبروم وسليمان بخيت) مع بعض الإستثناءات هل لازال الفن التشكيلي الإريتري في مراحله الأولى؟

نعم اعتقد الفن التشكيلي الإريتري لازال في مراحله الأولى وهذا واضح من خلال الأعمال الفنية التي تم تقديمها حتى الآن. والأسباب عديدة، لعل أهمها أن مجتمعنا لم تتاح له الفرصة ليتشكل بصورة طبيعية. ومثل العديد من مجالات الإبداع الفن التشكيلي ايضا يعتبر في بداياته ويمكن القول ان ما نقوم به هو نواة لفن التشكيل لمجتمع في طور التكوين. ولذا ما تم إنتاجه حتى الآن هو فن واقعي تسجيلي يطغى عليه الشكل على حساب المضمون. فيما يتعلق بأساليب الفنون المختلفة هناك نظرية في علم الجمال تقول بأن "الفن للفن" وأخرى تقول بأن "الفن للمجتمع" ونظريات أخرى تحدث عنها فلاسفة علم الجمال.

نظرية الفن للفن تقول: أن الفن الصحيح منفصلا تماما عن الأفعال والموضوعات التي تتألف منها التجربة المعتادة،والفن إذا شاء أن يكون فنا ينبغي أن يتحرر من هذه القيود والمحاكاة في أسلوبه وهذا ما قاله (كليف بل) رائد هذه النظرية والتي تسمى بالنظرية الشكلية. والنظرية الأخرى التي تقول: الفن هو نوع من العمل الجماعي وأن الفن إذا شاء أن يكون فنا لا بد أن يخضع لقوانين وأنظمة المجتمع، وكذلك لا يجب أن يعبر عن (الأنا) بل عن (نحن) وأن (الأنا) لابد أن يشتق من (نحن) وهذا ما قاله الفيلسوف (تين) رائد هذه النظرية. نحن إذا في مرحلة الـ (نحن) فعندما يشاهد المرء المناظر والأشخاص وغيرها في لوحة ما يطلق على هذه اللوحة بأنها في قمة العطاء والجمال لأنها حاكت قضية ما تخص مجتمعه، أو أن لهذه الأشكال المرسومة دلالات وتعريفات سبقت معرفتها.

ففي مجتمع كمجتمعنا والذي لم تتاح له الفرصة لتعلم مفردات اللغة البصرية الأولية لا يمكن أن نقفز به فجأة إلى لغة أكثر تعقيدا واقصد إلى مدارس الفنون الحديثة. وهذه المشكلة مازالت موجودة ايضا حتى في المجتمعات المتقدمة وإن كانت بصورة أقل حدة. وعلى ضوء هذا اعتقد ان الأسلوب الواقعي وشبه الواقعي أي نظرية (نحن) يتناسب مع مجتمعنا على الأقل في هذه المرحلة التي نحن فيها. وبصفة عامة أقول إن اللوحة الجيدة وبصرف النظر عن المدرسة التي تنتمي إليها يجب أن تشتمل على كافة مقومات العمل الفني وتقنياته المتعددة من الخط واللون والتكوين والإيقاع والحركة والانسجام والتوازن وقواعد المنظور وتخير الأوضاع الشكلية المناسبة و التوزيع المدروس للمساحات والقيم اللونية والشكلية وانسجامها مع مضمون الفكرة المُعالجة. شخصيا ليست لي مدرسة معينة لكني اميل الى الاسلوب التجريدي في أعمالي العادية وهي اللغة التي يفهمها المجتمع الذي اعيش وسطه. كما انني استخدم أيضا الأسلوب شبه الواقعي إذا كان المستهدف لا يمكن الوصول إليه إلا عبر هذا الأسلوب.

هل تشعر بعزلة اللوحة الفنية أمام أشكال الفنون الأخرى كالقصة والرواية والشعر في إريتريا؟

اعتقد لم تعد اللوحة تعيش في عزلة، حبيسة الجدران في صالات المعارض، هذا ربما كان صحيحا في الماضي. الفنون البصرية هي فنون مكانية بمعنى هي مرتبطة بالمكان الذي تعرض فيه ولذلك يتطلب الذهاب الى ذلك المكان لمشاهدة العمل الفني، إلا أنه الآن و لوجود وسائل التواصل الحديثة يمكن ارتياد المعارض والمتاحف من أي مكان (بعض صالات العرض والمتاحف بدأت تقدم خدمة 3D للزوار عبر النت) وان كان الإحساس ليس بذلك القوة مثل تواجدك في مكان وجود العمل الفني. إذا العصر هو عصر الصورة بكل ماتحمله الكلمة من معنى. هذا طبعا بصفة عامة. أما فيما يخص مجتمعنا اعتقد ان عزلة اللوحة الفنية أمام أشكال الفنون الأخرى يرجع السبب جزائيا إلى قلة الفنانين التشكيليين وايضا ممارسي هذا الفن من الهواة بالمقارنة إلى عدد الشعراء والكتاب لدينا.

يقال ان الفنان يرسم لوحته ويترك باب التفسيرات للمتلقى.. كيف تعلق؟ وكيف ترى أخراج التشكيل من أوساط النخب لرحاب المجتمع؟

هذا صحيح إلى حد ما، إذ قد تكون هناك تفسيرات مختلفة للمتلقي أكثر مما يقصده الفنان في لوحته. وهذا بحد ذاته يعتبر نجاح للفنان، فحين يتوحد الفنان مع لوحتة ليوثق هذا العمق من حيث كونه لونا وشكلا يعرف أن المتلقي قد لا يستوعب تماما ما قصده لكن قد يستوعب طروحات جديدة ومختلفة وقد يأتي بتفسيرات غير مقصودة وهذا شيء جميل. فيما يتعلق بالجزء الثاني من السؤال يقول علماء الجمال والتربية إن الفن تربية وتعوّد. ولا يخفى على أحد مدى ارتباط الفنون برقي وتحضُّر الشعوب وتقدم الأوطان، فحيث لا يزال يُنظر إلى الفنون كشكل من أشكال الكماليات هناك تأخر حضاري. وللاسف الفنون في مدارسنا تعتبر ترفاً أو عنصر ترفيه وتسلية أو مادة لتعبئة 'ساعات الفراغ' و لإخراج التشكيل من أوساط النخب إلى رحاب المجتمع يجب علينا الإدراك إلى أهمية اعتماد الفنون في مختلف المراحل التعليمية كمادة أساسية كما هو الحال في الدول المتقدمة مثل اليابان والسويد.

الألوان الصارخة والمرأة يمثلان قاسما مشتركا في الكثير من اللوحات التي نشرتها في صفحتك بماذا تعلق؟

استخدمت فعلا في بعض أعمالي الألوان الحارة لأنها زاهية وصارخة حيث تعبر عن العاطفة، والقوة، والحب، والاحترام.و الفنان ابن بيئته لذا استلهمت الألوان من ذاكرتي التي تشتمل على نهر طفولتي. لا شك أن المرأة هي الجانب الأساسي في الإبداع الفني على مر التاريخ، لأن المرأة تمثل جمال الحياة وخصوبتها وامتلائها بالمعنى وليست مجرد ذلك الكائن الجميل المعشوق، هناك المرأة الأم... الأخت... الابنة... الصديقة أيضا. المرأة عندي هي رمز للجمال، والوطن، والأرض، لذا المرأة هي دائماً ملهمتي الأولى، والشكل الأكثر أهمية في ذاكرتي.

ماذا تريد أن تقول من خلال لوحاتك؟

الفن يمثل بالنسبة لي وسيلة للتعبير عن موقفي من الحياة، بمعنى انا اعتبره من أسس الحياة الحرة في التعبير والإفصاح بما أشعر به تجاه العالم الذي اعيش فيه. للأسف انا غير متفرغ للعمل الفني حاليا وذلك بسبب ضيق الوقت لدي، لذلك ارسم فقط عندما تتاح لي الفرصة لفعل ذلك.

معظم أعمالي السابقة كانت تجريدية وتدور حول العلاقات الإنسانية والمشاعر المختلفة تتناسب مع ثقافة المجتمع الذي اعيش فيه. اللوحة بالنسبة لي هي عبارة عن مساحة يعبر الشخص من خلال الألوان والأشكال والتكوين فيها عن ما يجول في داخله من أفكار لا يستطيع التعبير عنها بالكلمات.‏اتمنى ان اجد زمنا كافيا لعمل لوحات فنية لا يقتصر جمالها على العين، بل يتعدى ذلك ليصل للعقل.

السيرة الذاتية:

• فنان تشكيلي اريتري

• مواليد مدينة كرن - ارتريا

• عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في سوريا

• عضو اتحاد التشكيليين العرب

• عضو جمعية الإمارات للفنون التشكيلية

• عضو جمعية تطوير الفنون في السويد

• عضو نقابة معلمي الفنون الجميلة في السويد

• عضو في LR نقابة المعلمين السويدية

• بكالوريوس في الفنون الجميلة (الاتصالات البصرية)

• دبلوم فنون دراسات عليا

• مدرس للفنون الجميلة في السويد

• عضو مجلس بلدي عن حزب اليسار السويدي

• متفرغ للتدريس الفني

العمل السابق:

• مدرس للفنون التشكيلية في المجمع الثقافي - أبو ظبي

• رسام كاريكاتير في مجلة أوراق - الامارات

المعارض الجماعية:

• صالة الرواق دمشق 1985،
صالة العربي دمشق 1985،
صالة الرواق دمشق الامارات 1989،
المركز الثقافي الشارقة 1989،
المركز الثقافي أبو ظبي 1990،
المركز الثقافي الشارقة السويد 1991،
صالة مكتبة بلدية نورا السويد 1991،
صالة بلدية بورلنجي السويد 1996،
صالة جمعية تطوير الفنون اربرو السويد المعارض الفردية 1998،
صالة جامعة اربرو السويد 1998،
صالة مكتبة اربرو العامة السويد 2004،
صالة بري او هوسيت هلسبرج السويد 2006،
صالة مكتبة كوملة السويد 2009،
صالة بري او هوسيت هلسبرج السويد،
بالاضافة الى اعمال منشورة في الصحافة السويدية.

Top
X

Right Click

No Right Click