بناء السلام - الحلقة الثالثة

بقلم الأستاذ: عمر صالح عبدالله شوم حسب الله - عضو اللجنة الشعبية الإرترية لإجراء السلام بين إرتريا وإثيوبيا

في الحلقة الماضية وعدنا بالحديث حول الآتي:

لماذا التحرك نحو السلام الآن وليس قبلاً ؟

ألا يشي إخراج الأمر بهذه الطريقة الى وجود أجندة أو مخطط وراءه ؟

وكيف سيتم توزيع نسبة المشاركة على المكونات الإرترية داخل عضوية هذه اللجنة بحيث تكون عادلة ؟

أولاً: لماذا التحرك نحو السلام الآن وليس قبلاً ؟

التوقيت ليس مشكلة بحد ذاته لكن الجمود طوال هذه الفترة التي إمتدت لـ 26 عاماً بعد الإستقلال هي التي تثير التساؤل بكل إمتعاض.. لماذا عجزنا كأفراد ومنظمات مجتمع مدني وأحزاب سياسية عن تحقيق خطوة إيجابية لصالح الشعب الإرتري.. سواء بالمساهمة في إسقاط النظام أو السعي لحل الأزمة الإرترية الإرترية من جزورها.. لماذا لم تتهيئ الظروف المناسبة لخلق أرضية خصبة للسلام بين فرقاء الوطن الإرتري ليوحدوا طاقاتهم ويعملوا بكل صدق وشفافية من أجل تحقيق المطالب الحيوية للشعب الإرتري وليس لقوى تنظيمية أخرى غيره.. لماذا لم تتحقق أي خطوة إيجابية حتى الآن ؟!!

ألا يستدعي ذلك البحث وراء أسباب هذا الجمود ؟!! ولماذا هو مستمر حتى الآن ؟!!

هذا إذا علمنا أنه ساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في تطويل عمر الهقدف !!

إذن الحديث عن السلام الآن لا يمثل خروجاً عن سياق القراءة النضالية للساحة الإرترية لأننا جميعنا نسعى وبطرق مختلفة لتحقيق ذات الهدف وهو التحرر من إرادة القمع والإحتلال التنظيمي (عموماً) لإرادتنا الأبية.. والبدء في السير العملي نحو تحقيق قيم تنظيمية عادلة بالنسبة للشعب الإرتري وليس لجهة أخرى..

فالشعب ظل يحيا طوال هذه الفترة خلف متاريس البناء التنظيمي الجاري اليوم (مكبل الإرادة ومنتهك الكرامة).. والسبب يرجع الى أن تكوينه التنظيمي الذي لازال في طور التكوين والتشكل البدائي لم يكتمل ملامح بلوغه سن الرشد بعد.. وبالتالي هو لا يستطيع الآن التعبير عن إستقلاليته التنظيمية ككيان له إعتبار وكرامة مستقلة بعيداً عن الرهانات الأخرى المتقاطعة.. كما أن مجموع أفراده وأجياله هم الوحيدين الذين يملكون إستحقاق التمتع بمميزات هذا الكيان التنظيمي الكبير والمساهمة في حمايته من عمليات النصب والإحتيال.. وبالتالي فإن طريقة إستغلال مقدراته وإمكانياته الإعلامية والإقتصادية والإجتماعية والتنظيمية والقانونية يجب أن تصبح ملك قراره وحده (أي ملك جميع أفراده ومكوناته الإجتماعية دون فرز) كأساس شرعي يجب أن تبينه مسودة الدستور ولوائح العمل القانوني داخل مبنى الدولة الإرترية الغائبة حتى الآن..

وهي ثمار تنظيمية ظلت بعيدة عن متناوله لغياب مبدأ السلام وليس التداول السلمي للسلطة.. لأن حصر السلام في هذا التداول المصلحي لقوى تنظيمية أخرى غيره والتظاهر أن بدون هذا الحصر يصبح السلام مفرغ من مضمونه.. ليس سوى مكياج لإخفاء الحقيقة التي لا تعبر سوى عن أنها عملية تنظيمية خاطئة (وغير مشروعة) فالسلام سابق لوجود الدولة والحكومة.. لأن الشعب هو المستفيد منه وليس العكس.. ولهذا لابد من وجود أولويات ترتب أهمية البناء التنظيمي وتسلسل المقامات لكل مكوناته.. فلا قيمة لوجود شعب بلا أرض ولاقيمة لوجود دولة بلا شعب ولا قيمة لوجود حكومة بلا دولة.. إذن علينا أن نعلن بأن رقم واحد في الأولويات هي الأرض إن تحررت ننتقل الى الأولوية رقم (2) وهي الشعب. (فهل تحرر ؟!!)

إن كانت الإجابة هي لا.. إذن فالواجبات أمامنا أكبر مما نعتقد وعلينا البدء في تحرير الشعب أولاً ثم الإنتقال بعد ذلك الى الأولوية رقم (3) وهي الدولة لنسعى الى تحريرها.. ثم الأولوية الرابعة وهي الحكومة وهكذا.. وبالطبع يتفق الجميع في أنه من رابعة المستحيلات أن نحرر كل الأولويات الثلاثة من الرهن وبضربة واحدة أو خطوة واحدة.. (أي علينا البدء بأولوية الشعب ثم الدولة ثم الحكومة).. وعليه لابد من مراعاة فارق الترتيب بين هذه العناصر من حيث الأهمية.. وهي الخطوة الأولى نحو إرساء مفهوم سلام فكري وثقافي آمن ينظم تدفق العاطفة الوطنية والحراك الإرتري المتفلت اليوم عن هذا التأطير المنطقي للقيم البنيوية الأساسية لأي كيان إجتماعي على وجه الأرض.

وعليه نتساءل لماذا يشغل الكثيرين أنفسهم بموضوع إقامة حكومة بديلة لحكومة الهقدف ؟!! بينما يتجاهلون موضوع التحرير للإرادة العامة الإرترية من سياسة الهيمنة التي أصبحت عرف تنظيمي لدى قوانا الحزبية.. ثم هل هذا المسلك منهم يعد طريق آمن لتحقيق السلام الحقيقي الذي كان ينشده الشعب الإرتري لإستعادة كرامته المنتهكة وإرادته المقموعة وكيانه الممزق بفعل القوى الإستعمارية التي تعاقبت عليه وفعل الهقدف الذي يمثل جزء لا يتجزأ من هذا الواقع المأساوي وإمتداد صارخ لأدواره الإستعمارية.

والسؤال الأهم في تقديري : أين موقع الشعب في مبنى القوى (الشبابية وغيرها) الناشطة في النضال اليوم ؟!!

وهل له موقع إستحقاق داخل مكونها التنظيمي ليعبر عن هذه القامة التنظيمية الفارعة بحسبان أنها الأولوية رقم (2) بينما الحكومة تمثل رقم (4) في ترتيب الأولويات؟!!

ألم ندرك بعد أنه لايمكننا أن نحقق أي سلام يذكر داخل وعاء أو بناء المجتمع الإرتري إن لم نحترم هذا المقام المميز الذي يمثله الشعب في ترتيب الأولويات التنظيمية !!!

وبالتالي علينا أن نعلم بأنه لم يأتي ذكر إرتباط السيادة والسلطة بالشعب (وحده) من فراغ بل لأنه صاحب إستحقاق.. ومن له هذا المقام يجب أن يكون له كيان تنظيمي معترف به يتأسس من منصته مبنى الدولة.. لأن الشعب سابق لوجود الدولة والدولة كذلك سابقة لوجود الحكومة.. وبالتالي مبدأ الأولويات يضع هذه المعادلة في حسباننا عند السير نحو بناء كيان تنظيمي للأحزاب السياسية.. ولعل الخروج عن قاعدة هذه الأولويات هو خروج عن قاعدة السلام التنظيمي المنشود.. ليحل محل السلام مبدأ الصراع حول أولويات راسخة في المنطق البشري ولا تحتاج الى نقاش ناهيك أن يتم التصارع حولها..

ثانياً: ألا يشي إخراج الأمر بهذه الطريقة الى وجود أجندة أو مخطط وراءه ؟
ماهي طبيعة الأجندة التي يرصدها هؤلاء المتسائلون ؟!!.. إن كان الأمر متعلق بوجود إرتباط مصلحي تسعى الحكومة الإثيوبية لتحقيقه من وراء هذه الخطوة وعبر هذه اللجنة.. فهذا أمر طبيعي أن يسعى المرء وراء مصالحه لا أن يترك مصالحه وينظر الى مصالح الغير ويعمل على أن لا تتحقق.. فهو إذن التساؤل الذي يستحق الذكر هنا.. وهذا لا يعني أن هناك مصالح فردية مخفية تربط عضوية لجنة السلام بمصالح إثيوبية.. فهناك نوعين من المصالح علينا التمييز بينهما:-

الأولى: هي التي تنتهك السيادة وتسعى لإعادة اللحمة بواقعنا التنظيمي بحيث نفقد معها إستقلاليتنا ونصبح إقليم رقم 14 بصورة غير معلنة.. وهو خيار مستبعد لدينا ولا يمكن لإرتري حر أن يتساهل في أمر كهذا..

الثانية: هي مصالح في حدود لا تستهدف السيادة والإستقلالية بل هي مجرد ثمار متبادلة بصورة ندية.. ولا أعتقد أنها كمصالح مشتركة ومتبادلة (وليست منفردة) ستضر بسمعتنا كإرتريين.. ومن هنا علينا أن ندرك بأن المصلحة الحقيقية تقتضي منا أن نراعي الزمان والمكان والمعطيات المتوفرة لصالح تحقيق بعض الأهداف الثورية الساقطة عن المعادلة النضالية اليوم.. كما أن البعد الإثيوبي حاضر في هذه المعادلة منذ 26 عاماً وليس اليوم (بعد) نشرنا موضوع السلام بين شعب إرتريا وإثيوبيا.. و هاهي القوى السياسية التي لا نشك في وطنيتها تحصل على رواتب وإعاشة وبدل سكن وسفر الخ عبر واجهة منتدى صنعاء.. ومع ذلك هي تعمل في حدود قدراتها وإمكاناتها التنظيمية.

ولا أحد يطلب منها أكثر مما تقدر عليه.. كما أن أجواء القوى الإرترية المستقلة والمتواجدة خارج إثيوبيا ليست بأفضل حال.. وبالتالي ليس أمامنا خيار آخر سوى السير في طريق لم يجربه أحد وبالطريقة التي سنعكس تفاصيلها مع الوقت..

وأخيراً: نجيب على التساؤل الذي يقول.. كيف سيتم توزيع نسبة المشاركة على المكونات الإرترية داخل عضوية هذه اللجنة بحيث تكون عادلة ؟

أولاً: نحن في بداية عملية التأسيس ولم نحقق الخطوة الأولى بعد.. أي خطوة إخراج تصريح للعمل داخل إثيوبيا وفتح مكتب مستقل للجنة.. وحسب البيان الصحفي رقم واحد الذي نشرناه بينَّا فيه هذه الحقائق وكل من قرأ البيان يمكنه أن يهيئ نفسه لملئ فراغ مكونه الإجتماعي داخل اللجنة إن لم يوجد من سبقه في الإنتساب لهذه العضوية.. وبالتالي فإن كل المكونات مدعوة لتملئ مقعدها في هذا الصرح التنظيمي الجديد عبر كوادرها المتعلمة المستقلة.. وكما يقول المثل السوداني: (السبق أكل النبق).. وعليه فإن المساحة مفردة للجميع في حدود المقاعد الشاغرة في اللجنة..

ثانياً: المهام التي سنقوم بها كبيرة ولا يمكن للجنة أن تحققها بدون دعم مباشر من كل إرتري (مستقل أو منظم).. وبالتالي فإن الجميع عليه أن يهيئ نفسه لإنجاح أمر هذه الخطوة التي ستتناول قضايانا التنظيمية وتسعى لسد بؤر الأزمة من مصدرها بإذن الله.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click