قراءة لكتاب (إرتريا رؤية أخرى للتاريخ) للمؤلف إدريس همد آدم

طباعة

بقلم الأستاذ:حامد الحاج - المدير التنفيذى لمنظمة كافل للإغاثة، برمنجهام

بغلاف جميل من تصميم المبدع سليمان محمد بخيت، و بطباعة ممتازة من دار شبر للطباعة و النشر بلندن أضاف الأستاذ الفاضل

و الخلوق إدريس همد آدم كتاباً رائقاً ماتعاً عن التاريخ الإريتري المعاصر من وجهة نظر (إجتماعية) حسب رأي الشخصي،،، كتابنا اليوم ليس كتاباً سردياً للتاريخ الإريتري بقدر ما هو كتاب للـ (وقفات) و التحليل للأسباب و الخلفيات المؤثرة على موقف سكان إريتريا من الصراعات و الغزوات المتتالية لهذا البلد المتشاطىء مع الجزيرة العربية و مصر و السودان و جيبوتي على البحر الأحمر.

عبر أربعة فصول، الأول منها حوى تعريفياً تحليلياً بإمتياز عن تشكل هذا الكيان المسمى إريتريا بكل معوقات الانسجام فيه من اختلاف الأديان و التضاريس و الامتدادات الجغرافية والعرقية و الثقافية و اللغوية، و الثاني منها يناقش شكل اريتريا في الفترة ما بين الحربين الكونيتين ثم يخوض الفصل الثالث في تداعيات القرار الفيدرالي، و أخيراً يناقش الفصل الرابع بطريقة مسهبة العلاقة و الخلافات بين حركة تحرير إريتريا و جبهة التحرير الإريترية.

كان الكاتب موفقاً في توضيح و تفسير أسباب انكسار المقاومة الإريترية تاريخياً أمام الإيطاليين و غيرهم بأنها كانت بسبب صغر الكيانات الاريترية المتعددة، و ظل الكاتب ممسكاً بالامتداد الاجتماعي لتباعد المكونات الإريترية ببراعة في قراءته للمواقف الإريترية تجاه المؤامرات الأثيوبية فترة الانتداب البريطاني، و طبعاً العامل الأكبر هو الثنائية الدينية المليئة بتوجس كل طرف من ابتلاع الطرف الأخر له، هذا التوجس الذي تجاوز النصارى ليصل لبعض المسلمين المطالبين بالإنضمام لأثيوبيا بشرط الحفاظ على الهوية و اللغة العربية حتى لا يستفرد بهم متطرفو نصارى إريتريا فينقضوا على هويتهم الإسلامية و لغتهم العربية الجامعة، موقف يبدو غريباً و لكنه كان موجوداً و لعل أصحابه يستطيعون الاستدلال الآن بسلوك الزمرة الطائفية الحاكمة.

مبضع الكاتب لامس أمور نفسية و إجتماعية بمهارة فائقة، فمن الطبيعة الغير جسورة لـ (ناود) مروراً بالمخاوف و المظالم المناطقية لسبي و الطائفية لأسياس و رفاقه استطاع الكاتب أن يقدم قراءة معتدلة و غير منحازة، أما تطرق الكاتب للشوفينية الكبساوية-النصرانية فتميز بدقة الوصف مع الرقي في عدم الانجرار لرد فعل شوفيني أو عنصري، بل على العكس فإن الكاتب مد يديه داعياً أهل كبسة (المرتفعات) إلى تعايش في ظل احترام متبادل.

توسع الكاتب في ذكر نبذ عن الشخصيات على هامش الكتاب ثم في الملاحق و لكنه لم يذكر منهجية لذكر النبذ، و عدم ذكر المنهجية سيؤدي إلى أن يتصور الأخرون منهجية من ظنونهم و هذا خطر في بيئة إريترية معقدة التركيب، و لعل الكاتب يتدارك هذه الملاحظة في الطبعات القادمة.

خاتمة الكتاب هي خلاصة غرض الكاتب من تأليف الكتاب، ألا و هي تأكيده على ضرورة إعادة القراءة و التحليل لتاريخنا ليكون ذلك معيناً لنا على بناء إريتريا جديدة تسع الجميع.

الكتاب اتصف بعدم تركيزه على كمية المادة التاريخية لصالح توفير قدر من التحليل و استخلاص العبر، و لكن يعيبه - من وجهة نظري - كثرة النقولات، و كنت أفضل أن يقوم الكاتب بإعادة صياغة النقولات مختصرة في سياق الكتاب مع كتابة الإحالات بالهامش.

لغة الكتاب عموماً كانت سلسة و جيدة، و الأخطاء المطبعية في الإملاء قليلة جداً، مع ملاحظات طفيفة على تراكيب بعض الجمل....و الكمال لله.

شكراً للكاتب إدريس على إضافته هذا العمل للمكتبة الإريترية و مزيداً من التوفيق له.

X

Right Click

No Right Click