حوار مع الأستاذ هداد خليفة محمود حمد آل ركا - الحلقة الأولى

بقلم الأستاذ: حسين رمضان - كاتب ارتري

مقابلة مع الأستاذ هداد خليفة محمود حمد آل ركا، ضيف على برنامج "كيف الحال"

هداد خليفة محمود

لقناة أريسات الفضائية المستقلة، وهو من أبناء كرن سابقاً والآن مقيم في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية مدينة أوكلا ند. وسبق نشر هذه المقابلة مرئية وهنا نحررها كتابة لتعم الفائدة.

باديء ذي بدء نرحب بالأستاذ هداد خليفة محمود ثم نترك له مساحة الترحيب.

الأستاذ هداد وأنا بدوري أرحب بقناة أريسات وبالأخ المضيف كرار هيابو وأيضاً أرحب بجميع الارتريين أينما كانوا و خاصة أبناء مدينة كرن الحبيبة.

سؤال: كما تعلم اسم برنامجنا هو "كيف الحال" لذا نبدأ بالسؤال المعتاد عن أحوالك ثم نأمل أن تخبرنا عن أحوال الطقس عندكم في كاليفورنيا من حيث درجة الحرارة والبرودة.

جواب: أبشرك نحن بخير والحمد لله أما عن أحوال الطقس في مدينتنا "أوكلا ند" فهو جميل، وهي تسمى مدينة المناضلين ومعقل الثوار وسبب هذه التسمية نظراً لوجود أعداد كثيرة من المناضلين القدامى من الجبهات سابقاً وغالبيتهم الآن من المعارضين للنظام القائم في أرتريا، وتوجد أقلية منهم مع النظام، والمدينة الثانية في منطقتنا هي "سان فرانسيسكو" وهي تعتبر من أجمل المدن في أمريكا وطقسها معتدل ونحن الآن طبعاً على أبواب فصل الشتاء.

سؤال: نعلم أنك أولاً استقريت في كندا ثم أنتقلت منها إلى كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، كم هي المدة التي مكثتها في كل من الدولتين.

جواب: أنا حضرت إلى كندا عام 1987م، ومكثت فيها ستة سنوات تقريباً، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة وبالتحديد في ولاية كاليفورنيا حيث مكثت فيها إحدى وثلاثون سنة ولا زلت مقيم فيها.

سؤال: هل يوجد فرق بين الحياة في كندا وأمريكا برأيك؟

جواب: الفرق كبير طبعاً كاليفورنيا تعتبر من المدن الكبيرة في أمريكا وطقسها كما أسلفت لك معتدل وجميل ولا يوجد فيها برد قارس ولا ثلوج، وأيضاً فرص العمل في أمريكا أكثر من كندا بل يستطيع الشخص أن يعمل في أكثر من موقع إذا رغب، أما كندا فعكس أمريكا تماماً، من ناحية الطقس فهي شديد البرودة وتتساقط فيها الثلوج في فصل الشتاء بكثرة وتغطي مساحات شاسعة وفرص العمل فيها صعبة إلى حد ما، وليس من السهولة أن تجد عمل مناسب لك.

سؤال: بالنظر إلى تواجد الجالية الارترية من حيث الحجم أين تتواجد برأيك؟

جواب: أنا أعتبر نفسي من الدفعة الثانية التي وصلت إلى كندا من أبناء الجالية الارترية وكانت أعداد المهاجرين حينها قليلة، أما الآن الأعداد كثيرة ويمكن أن تشاهدهم في جميع المدن الكندية وعلى سبيل المثال في "تورينتو" أكثر المهاجرين الآن هم من الجالية الارترية تقريباً.

سؤال: هل سبق لك أن أقمت في أوروبا قبل أن تنتقل إلى كندا وأمريكا.

جواب: في الحقيقة أوروبا لم أقيم فيها بل كنت أزورها بين الفينة والأخرى ً أو أمر بها عابر سبيل فقط.

سؤال: الآن الشباب الارتري يهاجرعن طريق السودان وليبيا ومصر مروراً بالصحراء الكبرى ثم عبر القوارب المتهالكة إلى أوروبا وإسرائيل وهذه الرحلة في الغالب محفوفة بالمخاطر، فكيف كانت تتم الهجرة في زمانكم.

جواب: هجرة الارتريين إلى أوروبا سابقاً بدأت في عام 1982م تقريباً وكان المهاجر يأخذ تأشيرة دخول من سفارة الدولة المعنية ويقطع تذكرته ويركب الطائرة وعندما يصل إلى وجهته يسلم نفسه للجهات الرسمية، ولم يكن هنالك أي مخاطر ولا مخاوف عكس ما نراه ونسمعه الآن في السنوات الأخيرة.

سؤال: بما أنك زرت عدد من الدول قبل أن تستقر في الولايات المتحدة هل تستطيع أن تذكر لنا تلك الدول التي زرتها؟

جواب: زرت في افريقيا السودان وكينيا وفي الشرق الأوسط سوريا والقاهرة والمملكة العربية السعودية وفي أوروبا عام 1979م زرت المملكة المتحدة والدنمارك والسويد وإيطاليا وفرنسا، ومن دول أسيا تايلاند والفلبين وأيضاً استراليا.

سؤال: حدثنا عن حياة الارتريين في كالفورنيا خاصة بما يتعلق بالجانب الاجتماعي كالأفراح والأتراح والتواصل بين الناس بصفة عامة كيف يتم؟

جواب: الجالية الارترية في "كاليفورنيا ولوس انجلوس وبي ايريا - خليج سان فرانسسكو" استطيع القول نحن نتواصل في كل المناسبات الاجتماعية خاصة الأفراح والأتراح بالإضافة إلى الأعياد والتواصل أحياناً يكون بالحضور المباشر إذا كانت المناسبة في نفس المدينة أو قريبة منها وأحياناً يكون عبر وسائل التواصل المعروفة إن بُعدت المسافات.

سؤال: خمسون عاماً تقريباً منذ غادرت كرن وهذا زمن طويل هل تذكر معالم مدينة كرن كما تركتها أم نسيت شيء منها؟

جواب: اذكرها كما تركتها بشوارعها وبيوتها ودكاكينها وجميع المشاهد فيها ولم انس شيء من ذلك، كرن هي في القلب والعقل والوجدان دائماً.

سؤال: حدثنا عن هجرتك من أرتريا من أين بدأت وإلى أين انتهت؟

جواب: أنا كما تعلم من أبناء كرن وفكرة الهجرة عندي بدأت من اسمرا حيث جئت إليها من كرن زائراً قبل أربعة أشهر من الرحلة، ومررت على كرن كأني أودعها.. وقد تعارف الناس في زماننا على تسمية الشخص على حسب انتمائه لمدينته "وأنا كرنينو" وهذا مصطلح إيطالي على ما أذكر يتداولونه الشباب فمثلاً سكان كرن يقولون كرنينو وسكان اسمرا يقولون اسمرينو وهكذا.. وهجرتي بدأت في عام 1969م. في عهد الإمبرطور هيلي سلاسي ومنذ ذلك التاريخ لم أعد إلى كرن حتى اليوم.

أما مسارها خرجت عن طريق منطقة عنسبا وتوجهت إلى مسقط رأس الوالد حبوب - جانتكا وكان ساكن فيها أخي عبدالرحمن خليفة محمود وهو الآن في السودان، أطال الله في عمره، وكان وقتها مراسل والعين الساهرة للثورة فطلبت منه أن يدلني إلى مكان الثوار..

ورفض التعاون معي وطلب مني الرجوع إلى كرن.ثم جئت إليه بحيلة أريد أن أزور واسلم على الأخ المناضل صالح سيد حيوتي، وهو الآن في السويد، أطال الله في عمره، ولا أريد الالتحاق بالثورة. وكان برفقتي في هذه الرحلة زميلي الأخ أحمد منصور (كداني) وهو الان معتقل في ارتريا أسأل الله ان يفرجه.

وأخيراً وبعد الحاح وافق أخي عبدالرحمن ودلنا إلى مكان الثوار، وعندما وصلنا كانت المفاجأة حيث إلتقينا بأربعة مناضلين من أبناء كرن كنا نعرفهم وهم الأخ الشهيد حسن باشميل والشهيد عبده محموداي والأخ جابر محمود- أطال الله عمره - والأخ موسى أحمد رادآي - أطال الله عمره - وهؤلاء رحبوا بنا وأكرموا ضيافتنا بحكم معرفتنا السابقة بهم ومكثنا معهم ليلتين ثم واصلنا رحلتنا إلى مكان القيادة وهنالك التقينا بالأخ والمناضل الكبير صالح سيد حيوتي وتفاجأ من حضوري وقال لنا لا يوجد الآن تجنيد وطلب منا الرجوع، وهو كان في ذلك الوقت مشغول جداً حيث أُوكلت إليه مهمة دمج الثوار وترتيباتهم حسب قرارات مؤتمر "أدوبحا" ونظراً لتمسكه بالعودة وافقنا أنا وزميلي على الرجوع، فزميلي رجع إلى كرن، أما أنا واصلت الرحلة إلى السودان ولم ارجع إلى كرن خوفاً من الاعتقال.

وصلت إلى مدينة كسلا وجلست فيها تقريباً شهر والتقيت في السودان بالأخ محمد سعيد فرج ويلقب "ود اسمرا" وهو الآن مقيم في الرياض ووالده كان نائب مسؤول سكك حديد ارتريا.

وبعد فترة ذهبت أنا وصاحبي محمد سعيد فرج إلى مكتب جبهة تحرير أرتريا في كسلا وسجلنا أسماءنا للدخول إلى الميدان.. وتم قبولنا ودخلنا الميدان وهناك التقينا بالشهيد محمد أحمد أبسلاب وهو من أبناء "كيكوي" وكان قائد سرية ومسؤول المدفعية وأحسن استقبالنا ورحب بنا وأخذنا في سريته وأمر بتدريبنا معه، وفي تلك الفترة انعقد اجتماع للقيادة العامة للجبهة في "كارع" وأخذنا معه الأخ الشهيد محمد أحمد أبسلاب وهنالك كانت المفاجأة الثانية حيث إلتقينا بالأخ المناضل صالح سيد حيوتي وقال لي مستغرباً جئت مرة ثانية، وهنا اقتنع برغبتني ولم يأمرني هذه المرة بالرجوع بل وجهني إلى هيئة التدريب في مكان يدعى "أول أمات" في "فانا" وليست هي "فانا" بركه كما يتبادر إلى الذهن بل هي "فانا" أخرى في أراضي ماريا طلام، وبعد الانتهاء من التدريب تم توزيعنا في قسم فدائيين الأمن مع المناضل موسى رادآي، وهو الآن في السعودية والمناضل رمضان قرينت وهذا كان قائد الفدائيين وبعد فترة أنا مرضت وبتوجيه من الأخوة الشهيد سعيد صالح و تسفاي تخلي تم توجيهي إلى كسلا لتلقي العلاج ثم العودة بعد رحلة الاستشفاء، وكان ذلك في نفس يوم استشهاد الدكتور يحيى جابر وعقبال انكيل في عد عمر.

ورحلة عودتي للسودان بدأت من منطقة تسمى "انجيناق" وهي في ضواحي مدينة كرن، وبعد الاستشفاء لم أتمكن من العودة للميدان والتزمت في التشاكيل الداعمة للثورة ابتداءا من كسلا ومروراً بالسعودية وأخيراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أقيم فيها إقامة دائمة.

سؤال: أنت جئت إلى كسلا مرتين تقريباً لو قارنا بين كرن وكسلا هل يوجد أوجه شبه بينهما والناس تقول المنطقة الممتدة من كرن إلى كسلا يوجد شبه بينهما ما رأيك؟

جواب: لا اعتقد هنالك شبه بين كرن وكسلا ولكن أستطيع القول لعل يوجد شبيه بين أغرادات وتسني وكسلا بحكم أنها مناطق متجاورة أما كرن لا يوجد شبيه لها؟

سؤال: عندما وصلت السعودية أين كنت تقيم في أي منطقة أو مدينة؟

جواب: في البداية دخلت إلى مدينة جدة قبل أن يكون لدي إقامة نظامية ثم انتقلت فيما بعد إلى مدينة الرياض بإقامة نظامية وعملت فيها فترة من الزمن.

سؤال: هل يوجد أوجه شبه بين الثقافة الجداوية والارترية والسودانية حسب علمك؟

جواب: لا اعتقد يوجد شبه أو حتى مقارنة بينهما ولكن يوجد شبه بين جدة ومصوع إلى حد ما لأنهما مناطق ساحلية، ومعرفة بمدينة مصوع محدودة لأني لم اعيش فيها.

سؤال: ما الذي تمتاز به مدينة كرن عن باقي مدن أرتريا حسب علمك؟

جواب: كرن تمتاز بجو وطقس معتدل على مدار العام وأيضاً سكانها معروفين بترابطهم الاجتماعي الكبير خاصة في المناسبات كالزواج والمآتم ويتعاملون كأنهم أسرة واحدة ولا يوجد بينهم فوارق عنصرية.

والكرنيون إينما كانوا لهم مواقف جميلة تذكر وتشكر أنا كنت أزور مدينة "علي قدر" أحياناً نظراً لوجود أهل جدتي فيها ويسمون " عد بولا" وأذكر موقفاً جميلاً كالعادة يذهب بعض سكان كرن إلى مدينة "علي قدر" للعمل في مشروع "براتلو" الزراعي فإذا رأوا جماعة يشيعون جنازة يتركون العمل ويذهبون مع المشيعين للمقبرة كما يفعلون في مدينتهم كرن فلاحظ هذا الموقف أحد سكان "علي قدر" وقال اللهم اجعل قبري في مدينتهم " اعجاباً بهذا الموقف الإنساني الذي شاهده. لأن في الغالب يشيع الميت أهله فقط.

وعلى سبيل التندر والطرافة يطلقون أهل "علي قدر" على كل من يأتي من خارج منطقتهم "طير الرهو" لأن هذا الطائر يأتي في فصل الشتاء ويختفي في الصيف، وهذا المثل ينطبق على العمال الذي يأتون إليهم في موسم العمل بصفة مؤقتة.

ونظراً لوجود محبة بين أبناء أرتريا بصفة عامة وأبناء كرن و قندع ومصوع واغرادات فأحياناً يتبادلون بعض الطرائف والنكات على سبيل المزاح البريء ويتواصلون في المناسبات كالأفراح والأتراح كأسرة واحدة وهذه من سمات أبناء ارتريا بصفة عامة.

سؤال: ما اللغات واللهجات السائدة بين أبناء كرن وأنت الآن تتحدث العربية وأحياناً التقرايت وما هي أميز القبائل والبيوتات التي تسكنها؟

جواب: يتحدثون أهل كرن "التقرايت، والبلين، والعربية، والتقرنية" أما سكانها خليط متجانس وتعتبر مدينة كرن كقارة حيث يوجد فيها رعايا من جميع أنحاء العالم، على سبيل المثال من إيطاليا وبريطانيا واليمن والسودان والشام والهند وتركيا ومصر اذكر منهم رجل - قبطي ساعاتي - وأثيوبيا وتقراي ومالي والبحرين واذكر من البحرين رجل يدعى " قاسم" بل حتى يوجد فيها اسرائليين وأذكر منهم بعض الأسماء " كايزر" و "منصور" و "شمعون" وهذا الأخير من يهود اليمن، واليونان، وجزر القمر، والصومال وجيبوتي والنيجر وغيرهم كثير. فسكان كرن متحابين ومترابطين بالرغم من تعدد ثقافاتهم ومناطقهم ودولهم.

سؤال: هل قابلت في جولاتك العديدة في دول العالم مثل إيطاليا وأمريكا وغيرها أحد كنت تعرفه في كرن سابقاً؟

جواب: الأعداد قد تكون كثيرة ويصعب حصرها وهنا تحضرني بعض الأسماء وأذكر منهم الأخ أحمد محمدين جوهر، وصالح قاضي أبوبكر جوهر، وأولاد ضرار عشرة، والأخ مقوس وسيلا وصديقي المناضل موسى محمد إدريس، وأخوه عبدالرحمن ادريس وهؤلاء في سان فرنسيسكو وهناك أعداد أخرى في كاليفورنيا.

وعندما ذهبت عام 1979م لدول اسكندنافيا وبالتحديد "السويد والدنمارك" وأثناء تواجدي في الدنمارك، أقامت الجالية الارترية مظاهرة وكان معي الأخ موسى آدم، وطلب مني أن نخرج معهم وتجمع الارتريين من شرق أروربا وغيرها والأخ موسى كان يجيد اللغة الدينماركية قراءة وكتابة وكلفه المتظاهرون بقراءة الرسالة الموجهة للسفارة الروسية ثم بعد المظاهرة ذهبنا إلى قاعة الاجتماعات وكان المتحدث فيها أيضاً الأخ موسى بحكم معرفته باللغة الدينماريكة كما أسلفت ثم تحدث بعده رجل يدعى " أولي" وأنا من أول نظرة عرفته وكان يسكن في "قَلبً منسع" وكان لديه موتورسايكل، يأتي به إلى كرن وبرفقته زوجته ويتحدث هذا الرجل بالتقرايت أكثر من أهلها ثم تحدث في المنصة بلغة التقرايت وبعد الانتهاء جاء وجلس بالقرب مني فقلت له كأني أعرفك بلغة التقرايت فقال أين تعرفني قلت له في كرن أليس كان لك موتورسايكل وكنت تأتي به ومعك زوجتك إلى كرن قال نعم صحيح ثم دردشنا مع بعض عن كرن وأهلها.

وأيضاً وفي إحدى زياراتي لإيطاليا تعرفت بأمرأة من عائلة تسمى "عد برزيليني" وأعرف أخ لها يسمى "مارشالا" كان يعمل في القنصلية الإيطالية في اسمرا وهو كان مسؤول من معاش المعاقين الارتريين الذين عملوا في الجيش الإيطالي وأذكر منهم عمنا "بخيت محمد نور" وعمنا "أحمد إياي" والد المناضل صالح إياي وبعد التعارف بيننا قالت المرأة أنا أخت "مارشالا"، ودعتنا إلى وجبة غداء في أحد المطعم وكان برفقتي الأخ حسين جمع من أبناء "ماشوا" في ضواحي كرن. فعلق مازحاً "ربي هلا اتكم سب كرن وطليانكم" وهذه المرأة كانت تتحدث معنا بالتقرايت، وقالت أيضاً أنها تعرف العم كنتيباي بشير فكاك.

وموقف آخر إلتقيت في موقف للباصات السفرية "تيرمنا" في روما بأربعة رجال منهم " ثلاثة إيطاليين وواحد يوناني" كانوا جالسين في مقهى يتحدثون "التقرايت" عندها شعرت وكأني في كرن وهكذا الأجانب في كرن كانوا يتحدثون ويجيدون " التقرايت" مثل أهلها بالتمام حتى بعد عودتهم لبلادهم لم ينسوها.

سؤال: ما هي الأشياء التي افتقدتها الأستاذ هداد الآن وأنت بعيد عن كرن؟

جواب: في الحقيقة أفتقدت أشياء كثيرة ومنها الجو الكرني وهي المدينة اللطيفة والجميلة وأيضاً المناسبات فيها لها طعم خاص مثل الأعياد. وكنا نسمع ونحن صغار عن الفن الكرني مثل "محبر تمثيل أبناء كرن" برئاسة عمنا بخيتاي وأبوبكر حمد اشكح، وكان هذا الرجل يعيش في اثيوبيا وتزوج بأمريكية وتوفي في أمريكا بولاية "أريزونا" - رحمه الله - وزوجته ألفت عنه كتاب بعد وفاته. وأذكر من أعضاء الفرقة الأخ رمضان عثمان قبري، والذي التحق فيما بعد بالثورة في قسم الفنون والموسيقى. وأذكر أيضاً فرقة "ربعت نول وربعت سبيل" وكان من أعضائها بعض المعلمين ومن أنشطتها الاهتمام بالأغاني التراثية والشعبية، ويقولون وأول من أدخلت لعبة أسمها "ود سوميا امرأة تدعى "مدينة همجور" وهي من منطقة القاش وتم تطوير هذه اللعبة فيما بعد، وأذكر ممن غنى لأهل كرن الفنان محمد وردي السوداني، وأيضاً كان سكان كرن يستمتعون بأغاني ود أمير وفي الجملة كرن كانت جامعة لجميع الفنون التراثية والشعبية المختلفة.

سؤال: هل تذكر شيء من المناسبات الدينية في مدينة كرن؟

جواب: في الحقيقية المناسبات الدينية في كرن جميلة ولها نكهة خاصة لأن الناس مرتبطة ومنسجمة مع بعض بالرغم من تنوع دياناتهم وطقوسهم فقد يختلف المعتقد بينهم ولكن مظاهر الفرح واحدة، المسلمين لديهم عيد الفطر والأضحى وحوليات "عد سيدي" السنوية تقريباً، والمسيحيين يحتفلون أيضاً "بمريم دعاري، ومسقل" وغيرها، وكما اشتهر سكان كرن بطبخ القرعة "الدبة" في وجباتهم خاصة في المناسبات، لذا سكان اغرادات يتهكمون عليهم بأنهم يحملون "قرعة بيدهم الشمال وطوبة باليمين" وبنفس القدر أيضاً سكان كرن يتهكمون على سكان اغرادات يقولون عنهم "تأكلون كل شيء في بطونكم" كناية عن اهتمامهم بالأكل فقط. وهذا من باب الطرافة والنكات البريئة المتبادلة بينهم.

وسكان كرن متعايشين لا توجد بينهم عنصرية أبداً، والكبير له مكانته واحترامه بين أبناء كرن ويُخاطب ويُنادى بصيغة "الوالد" والمرأة الكبيرة أيضاً تخاطب "بالوالدة" وهذه تربية كرنية فريدة، ولا زالت التقاليد والأعراف بخير بالرغم من تغير الأحوال حيث طرأ عليها شيء من التغيير وهذا من سنن الحياة. ونحن الآن وبفضل التقنية الاسفيرية يتم التواصل الاجتماعي بين أبناء كرن أينما كانوا عبر "الواتس آب" وخلافه من التطبيقات المختلفة.

وقد نشأت قروبات كثيرة ومنها قروب " كرن كمبديرا" وهدفه مساعدة الطلاب المحتاجين، وإصلاح وتهيئة مقابر للارتريين خاصة في دول المهجر مثل القاهرة وأيضاً مساعدة المرضى حسب الإمكانيات المتاحة، والآن تم شراء مقهى في القاهرة باسم "كرن كمبديرا" وهنا لا يفوتني ألا أن أشكر الأخ هيابو إبراهيم موداي الإداري والأخت رومانة جانكرا "أم مصطفي" والأخت سميره عثمان، والأخ الشيخ أحمد إبراهيم، والأخت خديجة زبيبي والتحية لجميع أعضاء كرن كمبديرا وأخص منهم اللجنة التنفيذية وفي الحقيقة مشروع كرن كمبديرا يقدم خدماته لجميع أبناء ارتريا المحتاجين بدون فرز مهما اختلفت مناطقهم وانتماءاتهم ومذاهبهم.

ومؤخراً تم إنشاء قروب جديد في الواتس آب لأهل الرياض من أبناء كرن بنفس توجه القروب الأول، وهنا أشكر الأخ عثمان أحمد ميه، والأخ محمد نور أبو سهيل والأخ سعيد رباط والأخ عبده صالح والأخ طاهر لجاج، والأخ عثمان ادريس محمد، والتحية للجميع من أعضاء القروب، وأتمنى من جميع أبناء كرن التعاون معنا والمساهمة حتى ولو بالتشجيع المعنوي.

سؤال: ما هي أنواع الديانات التي يعتنقها سكان مدينة كرن.

جواب: سكان كرن الغالبية يعتنقون الدين الإسلامي والمسحيين يعتنقون المسيحية وهم على ثلاثة فرق (توهدو) الناطقين (بالتقرنية)، والكاثوليك والبروتستانت (المنسع والبلين السنحيت) ويوجد احترام متبادل بين السكان لمعتقداتهم، ومن الفوارق نجد أحياناً في الأسرة الواحدة أكثر من ديانتين. ويذكرني هنا موقف رائع أن محافظ كرن سابقاً كان من أبناء المنسع وهو مسيحي الديانة ووالده مسلم لزيارته من منطقة المنسع، وعليه ثياب السماديت وحامل معه ابريق الوضوء، ويركب مع ابنه في سيارته بدون أي تحسس وهذا يدل على مدى التعايش الديني بين سكان مدينة كرن.

سؤال: هل لديك أي معلومة تحب أن تضيفها في هذا اللقاء لم نذكرها من قبل نسياناً؟

جواب: أحب أن أتحدث عن موقع كرن الجغرافي فهي في موقع استراتيجي وتحيط بها سلسلة من الجبال من جميع الجهات، واسم كرن مشتق من كلمة حجر الجبل وهذه التسمية بلغة البلين وفي رواية يقولون اسم كرن مشتق من كلمة قرن، لأن الجبال في احاطتها بكرن تشبه شكل القرن، وأما أسماء الجبال فهي كالآتي - جبل سنكيل، ولالمبا، ويتعبر، وزبان.

سؤال: هل لك من كلمة أخيرة الأستاذ هداد خليفة محمود في نهاية هذا اللقاء.

جواب: أولاً أشكر قناة أريسات الفضائية المستقلة والقائمين عليها على حسن الاستضافة والشكر أيضاً موصول عبركم للجمهور المشاهد والمستمع وعذراً إذا كان هنالك نسيان أو تقصير في الحديث عن كرن وسكانها. وإن شاء الله يكون لنا لقاءات أخرى نكمل فيه الحديث عن كرن.

وأخيراً وليس آخر نشكر أبناء كرن وضواحيها في الداخل والخارج على هذا التعايش الجميل والتعاون الرائع والحديث عن كرن ذو شجون لا يمكن تغطيته في لقاء أو لقاءات محدودة فهي صفحات بيضاء ممتدة عبر التاريخ.. ونأمل أن تسنح لنا فرص أخرى لمواصلة الحديث عن مكنونات كرن الجميلة.

نواصل بإذن الله... في الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click