حرم القائم بالأعمال الإريتيري تحكي عن طقوس خاصة للشهر الكريم في بلادها

بقلم الأستاذة: لكبيرة التونسي - أبوظبي المصدر: جريدة الاتحاد

حواء جعفر: أهل إريتريا يستقبلون رمضان بالتسامح وتجديد المساجد وتزيينها بالأنوار.

تعددت الألوان والأعراق والألسنة بتعدد البلاد والشعوب، فاختلفت العادات والتقاليد عبر دول العالم الإسلامي التي يعيش فيها أكثر من مليار نسمة في شتى قارات العالم، ولا يجمعهم إلا الإسلام تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وفي رمضان من كل عام، يتحول المسلمون في شتى ربوع الأرض إلى كتلة واحدة عملاقة، تهيمن عليها روحانيات الشهر الفضيل، فيؤدي الجميع العبادات نفسها من صيام وصلاة وإقبال استثنائي على فعل الخير ونزعة أقوى للتسامح والتواصل مع الآخرين. لكن رمضان بسماحته، يعطي أحبابه في مشارق الأرض ومغاربها فرصة عظيمة ليضع كل مجتمع بصمته ولمساته المستمدة من عاداته وتاريخه على طقوس استقبال ومعايشة الشهر الفضيل.

وتنشر «دنيا الاتحاد» على مدى الشهر سلسلة حوارات مع العديد من زوجات سفراء الدول العربية والإسلامية في الإمارات، لإلقاء الضوء على عادات وتقاليد شعوبهن خلال رمضان.

لكبيرة التونسي (أبوظبي) ـ رمضان في إريتريا يشبه رمضان في كل البلدان العربية والإسلامية، من حيث مظاهره وطقوسه المتعلقة بالتعبد، والاعتناء بالمساجد، والتكافل والتضامن، وإقامة موائد الرحمن للفقراء، لكن تظل هناك بعض الخصوصيات التي تميز هذه الدولة الأفريقية التي يبلغ نسبة المسلمين فيها 68 ٪ من مجموع السكان.

قبل رمضان، يتصالح المتخاصمون، وتتصافى النفوس، ويقوم الأهالي بتجديد المساجد وتنظيفها وتزينها بالأنوار، وما أن تثبت الرؤية، ويعلن سماحة مفتى الديار دخول الشهر الفضيل، حتى يهرع المسلمون لاستقباله في بيت كبير العائلة، حيث يتبادلون التهاني، ويتناولون وجبة السحور مع بعضهم بعضاً.

وعموما، ينعكس المخزون الثقافي، وطبيعة الأرض ومناخها على المائدة الرمضانية في إريتريا، كما تكتظ المساجد بالمصلين، وتقام حلقات الذكر ودروس تحفيظ القرآن، ويزيد التواصل والتراحم بين الأقارب والجيران، وتعم الصغار فرحة عارمة، تختلج في أفئدتهم طوال الشهر الفضيل.

ومن أشهر ما اعتاده الإريتريون في رمضان، «السمرة»، وهي جلسات مسائية يتجمع فيها الأهل والأحباب، و«الدلخ»، وهو طبق شطة الحارة الإريترية ، الذي يتجمع النساء والجارات لتحضيرها ثم توزع عليهم، بالإضافة إلى جلسات القهوة. أما المسحراتي فحكايته مختلفة كثيراً في إريتيريا عن بقية الدول العربية والإسلامية، حيث إنه يتناول طعام السحور عند آخر أسرة في الحارة وصلها قبل أذان الفجر.

وتعرف إريتريا طقوساً خاصة في بعض مناطقها، تتعلق بوداع رمضان، ويبدأ ذلك من منتصف الشهر الكريم، حيث يتجمع الناس كل ليلة في مسجد معين، ويقومون بأداء المدائح والأدعية حتى نهاية رمضان، ويؤدون صلاة التهجد في العشر الأواخر، ويخصون ليلة القدر بالقيام والدعاء والابتهال لله سبحانه وتعالى. ولا تذهب المرأة إلى المسجد، وتؤدي الصلاة في بيتها.

وفي حوار مع «الاتحاد» تقول السيدة حواء جعفر سيد علي، حرم القائم بأعمال سفارة إريتريا لدى الدولة، إن شهر رمضان في بلادها لا يختلف كثيراً عن الدول العربية المجاورة، خاصة وأن جزءاً كبيراً من الشعب الإريتري ينحدر من جنوب الجزيرة العربية.وتوضح أن القمح والشعير والشطة الحارة والبهارات من أساسيات المطبخ في أريتريا، والشوربة هي الطبق الأساسي على المائدة في رمضان، مع رقائق السمبوسة والعصيدة.

مظاهر وطقوس:

ويستعد الأريتيريون بتجهيز أطباق ومقبلات عدة قبل بدء رمضان بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع، خاصة معجون الشطة الحمراء الإريترية، والتي تتكون من الفلفل الأحمر الحار، مضاف إليه أنواع خاصة من البهارات وتسمى باللغة المحلية « الدليخ»، وتوزع على الجارات. وتنشط في ليالي رمضان جلسات «السمرة»، ومنها جلسات خاصة بالسيدات والبنات، حيث يجتمعن في بيت إحداهن بشكل دوري بعد صلاة التراويح، ويقمن بعمل المشغولات اليدوية من طواقي الرأس للرجال والصبيان وحياكة «الشراشف»، ومناديل الجيب ومشغولات الصوف و«الكنفا»، ومشغولات الخرز، وغيرها من أعمال تطريز، تبرع فيها الإريتريات، استعداداً للعيد.واعتاد الأقارب والجيران إرسال «صواني» الإفطار إلى المسجد وللأسر المحتاجة، ولكبار السن الذين لا يستطيعون تجهيز الإفطار في منازلهم.

سحورك يا صائم:

ومن الطقوس الرمضانية التي يختص بها الإريتيريون «سحورك يا صائم» أو «المسحراتي»، حيث تبدأ مجموعة من الشباب بتنبيه الناس عن قرب موعد السحور بترديدهم لجملة «سحورك يا صائم» حتى يصلوا إلى آخر بيت في الحارة الذي يدعوهم لتناول السحور معهم. ويحتفي المسلمون في إريتريا كثيراً بالأطفال عندما يختمون المصحف الشريف، وبمجرد أن يحفظ الطفل الجزء الأول يقام له احتفال بسيط، وعندما يتم حفظ القرآن كاملا، «تذبح له ذبيحة وتوجه الدعوة إلى الأهل والجيران وجميع أقرانه الذين يدرسون معه في الخلوة»، حسبما تقول السيدة حواء جعفر.

تحضير الإفطار:

وخلال رمضان تقوم ربات البيوت بتحضير مائدة الإفطار التي تشتمل على الشوربة التي يبدأ عادة في تجهيزها من وقت الظهر أو العصر، بحيث يسلق اللحم مع البهارات، ويضاف القمح المكسر «الجريش»، ويترك ليطهى على نار هادئة، وقبيل المغرب، يضاف له السمن البلدي. ويقدم الطبق إلى جانب السمبوسة، وتحضر طازجة يومياً، بعمل حشوة من اللحم المفروم أو السمك، وتحمر في الزيت، وتشمل المائدة الرمضانية أيضاً على التمر والماء وعصير البرتقال أو الليمون وبعض عصائر الفواكه الموسمية والسمبوسة واللقيمات والشوربة والقرمش والمشبك وفتة الشفوت، وهي عبارة عن رقاق يسمى لحوح «كسرة»، يمزج مع الروب والفلفل والثوم، وفتة الثريد وتسمى باللغة المحلية « فتفت»، والإريتيريون لا يهتمون كثيراً بالحلو، وتعتبر اللقيمات من الحلويات، وتضاف إليها أطباق أخرى مثل المهلبية والفالوديا، وهناك العصيدة التي تؤكل بالعادة في وجبة السحور، بحيث لا يكاد يخلو منها بيت، وهي تعمل بالبر «القمح الكامل» أو الشعير أو الدخن.

طقوس القهوة:

وللإريتيرين طقوس ما بعد الإفطار، بحيث يقدم الشاي والقشر والقهوة، وفي هذا الإطار تشير حواء جعفر أن هناك طقوساً خاصة جداً بالقهوة الإريترية، وتضيف «يتم تحميصها وطحنها، وإضافة الزنجبيل والهيل وتوضع في إناء خاص يسمى «جبنة» مصنوعة من الفخار، وتوضع على الفحم حتى الغليان، وتجهز طاولة خاصة بها، يوضع عليها الفناجين والسكرية والمبخرة، حيث إن البخور من الطقوس الأساسية مع الجبنة، ويقدم معها حمباشا، وهو عبارة عن خبز مصنوع من الطحين والسكر والخميرة والسمن البلدي، وتتزين بخطوط هندسية، وتلتف الأسرة حول الجبنة التي يتم تناولها على ثلاث مراحل، بعد كل مرحلة توضع على الفحم، حيث الفنجان الأول يسمى الأول، والفنجان الثاني يسمى البركة، والفنجان الثالث يسمى الخضر.

رمضان في مصر:

جربت حواء جعفر صيام رمضان في أكثر من دولة، بحيث تقول «بحكم عملنا تنقلنا بين بعض الدول العربية، وأول بلد عملنا وعشنا فيه كان مصر، ثم سوريا فالأردن ولبنان ثم الإمارات، وتربطني ذكريات جميلة بمصر لأن ولادة ابني البكر كانت في حضنها، وهناك كنا نستمتع بالطقوس الجميلة في الشهر الكريم من زحمة الحركة في الأسواق والبرامج الدينية والمسلسلات التي تذاع في التلفزيون المصري، وبعد صلاة التراويح كنا نذهب إلى مسجد سيدنا الحسين الذي تنتشر المقاهي حوله، وتزيده فوانيس رمضان المحيطة بكل الأماكن جمالاً، وكانت أيامي في مصر من أجمل اللحظات في حياتي، أما رمضان في الإمارات فله نكهة روحانية، حيث تسود القيم الرمضانية والتكافل الاجتماعي وانتشار الخيم الرمضانية، وبالنسبة لنا لم نشعر بالغربة، إذ نشعر أننا في وطننا، ويعتبر اليمن الشقيق الأقرب لنا من حيث العادات والتقاليد، أما في غرب إريتيريا تتشابه العادات والتقاليد مع السودان الشقيق، وهو من البلدان التي عملنا فيها أيضاً.

أنشطة:

أما بالنسبة لربط الأطفال بعاداتهم وتقاليدهم فتشير حواء جعفر إلى أنهم يحاولون ربطهم بمجتمعهم عبر المشاركات في النشاطات الاجتماعية والثقافية للجالية الإريترية في دولة الإمارات العربية المتحدة التي لا يتجاوز عددها 4000 نسمة من الجنسين، وتضيف «اعتادت جاليتنا في أبوظبي إقامة مائدة الإفطار الجماعي للإريتيرين المقيمين في أبوظبي، إذ يجتمع فيها المسلمون والمسيحيون، بحيث تساهم العوائل في إعداد الإفطار، ويكون لقاء وطنياً، يلتقي فيه أفراد الجالية، كما نقوم بدعوة بعض أفراد الجالية وأعضاء السفارة على مائدة الإفطار في المنزل.

العيد في إريتريا:

يستقبل الإريتريون العيد بالفرحة والبهجة، وبتزين البيوت، وشراء الملابس الجديدة والحلي والذهب للنساء والفتيات الصغيرات، وتحضر مشروبات العيد والحلويات، ومن أهمها البسكويت والمعمول والغريبة.

وتقول السيدة حواء جعفر «فرحة العيد لها مكانة كبيرة جداً لدى الجميع، حيث يرتدي الرجال والأطفال الجلاليب البيضاء والطاقية والعمة والصديرى، ثم يبدأون التكبير وهم في الطريق لأداء صلاة العيد في مصلى العيد، وكل مدينة لها مصلى خاص بها.

ويتبادل الجميع التهاني على الطريقة الإريترية. وتقول السيدة حواء جعفر إن المصافحة للتهنئة بالعيد تكون بتقبيل الأيدي، ثم تكون المعايدة للأهل والجيران، وما زالت إريتريا محافظة على هدية العيد «العيدية»، وتسمى عندنا «حق العيد»، وتعطى للأطفال، وهي عبارة عن حلويات العيد زائد مبلغ مالي بسيط يدخل الفرحة والبهجة على قلوب الصغار، وتجهز الولائم من الأكلات الرئيسية مثل «الزقني» مع «الانجيرا»، وهو عبارة عن إيدام مطبوخ بالبصل والشطة الحمراء الحارة والطماطم واللحم، أما في المناطق الساحلية التي تعتمد على الأسماك، هناك خبز التنور وسمك التنور والأرز بالسمك» صيادية» والأرز الزربيان. ومن المظاهر الإيجابية في احتفالات العيد هناك مشاركة المسيحيين إخوانهم المسلمين فرحة العيد في داخل البلد وخارجها حتى تحولت المناسبات الدينية إلى احتفالات قومية.

إرتيريا في سطور:

إريتريا هي إحدى دول القرن الأفريقي، وتقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر، يحدها من الشمال والغرب السودان، من الجنوب الغربي أثيوبيا، ومن الجنوب جيبوتي، ومن الشرق البحر الأحمر، و68٪ من سكانها مسلمون، وتقدر مساحتها بنحو 124,000 كم مربع، وعدد سكانها يتجاوز أربعة ملايين نسمة، والديانتان الرئيسيتان الإسلام والمسيحية، وهي تتمتع بسواحل طولها 1200 كم، ولديها 360 جزيرة، أكبرها أرخبيل دهلك، كما تتمتع بتضاريس متنوعة، تشمل مرتفعات تصل إلى 3200 متر فوق مستوى سطح البحر. وعاصمتها «أسمرا»، وتقع على قمة الهضبة تتمتع بمناخ ربيعي طوال العام، ولا تزيد درجة الحرارة على 22 درجة مئوية، وتنخفض إلى 5 درجات تحت الصفر في شهر يناير، أما في الشريط الساحلي فترتفع درجة الحرارة إلى 45 درجة مئوية. وتهطل الأمطار صيفاً في معظم أنحاء البلاد من يونيو وحتى سبتمبر، أما المناطق الساحلية فأمطارها شتوية من ديسمبر وحتى شهر مارس، ويتألف سكان إرتيريا من تسع قوميات هي الساهو، التجرى، التجرنيا، العفر، الحدارب، البلين، النارا، الكوناما والرشايدة،. ولكل قومية عاداتها وتقاليدها ولهجتها الخاصة وزيها التقليدي الخاص، مما ساهم في إثراء التنوع الثقافي والحضاري بها، ويعتمد حوالى 80% من السكان على الزراعة والرعي والبقية على التجارة والمهن الحرفية والصيد وأعمال أخرى.

الزي التقليدي:

للزي التقليدي مكانة خاصة لدى الشعب الإريتيري، خاصة في الشهر الفضيل، حيث يتم خياطة الثوب الأبيض والطاقية بالنسبة للرجال والأولاد الصغار «جلابية رجالي»، وتسمى الطاقية باللغة المحلية كوفية، أما النساء فلهن زي خاص، بحيث يبدأن بخياطة الجلابيات «الدروع» والمقالم «الشيلة» في المناطق الساحلية والحارة، أما في المناطق الباردة والمرتفعات يجهزن الملابس المصنوعة من الصوف لتلائم الجو البارد هناك، وكذلك تخضب النساء أيديهن وأرجلهن بالحناء مباركة بالشهر.

مسجد الصحابة:

عندما اشتد أذى قريش بالمسلمين أمر النبي (ص) أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، لأنه كان بها ملك عادل لا يظلم عنده أحد، وفي مقدمة المهاجرين الأوائل كان سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وزوجته رقية بنت رسول الله(ص)، وأول مكان وطأت فيه أقدامهم كانت مدينة مصوع الميناء الرئيس لإريتيريا حالياً، وكان أول مسجد بني في صدر الإسلام في منطقة رأس مدر،« بمدينة مصوع»، الواقعة على البحر الأحمر، ويسمى بمسجد الصحابة، ورفع به أول أذان جهراً في الإسلام، حيث كانت القبلة ناحية بيت المقدس وبقي منه المحراب، ولم يتم إعادة بنائه إلى اليوم، ولم يتم ترميمه حتى لا يفقد قيمته التاريخية والإسلامية، والحجر المستخدم في بنائه هو نوع من الحجر البحري الذي يتحمل جميع أنواع الرطوبة المختلفة، و ما زالت تقام فيه صلاة العيدين تيمناً به. وتقول السيدة حواء جعفر «نعتبر أنفسنا من المسلمين الأوائل الذين أخذوا الإسلام من أصحابه، وهذا ما يميزنا بالتسامح والتعايش بين الديانتين الرئيسيتين الإسلام والمسيحية في البلاد».

Top
X

Right Click

No Right Click