رجال كالنجوم أضاءوا سماءنا بما بذلوا من خير

بقلم الأستاذ: حسين رمضان

مقدمة: رجال كالنجوم أضاءوا سماءنا بما بذلوا من خير عميم كغيث ينفع حيث أصاب ثم رحلوا عنا

ولكن مسك رائحتهم ما زال يعطر نفوسنا وذكراهم الجميلة عالقة في ربوع قلوبنا وشخوصهم تتراءى لنا في كل زاوية من زوايا الحياة التي عمروها بانجازاتهم وعزاءنا في وصالهم حبل الدعاء الممدود بيننا وبينهم ربي افتح على قبورهم نافذة من نسائم عفوك لا يغلق أبداً.

اللهم ارحم أرواحاً اشتقنا لهم وهم تحت الجنادل والتراب مرهونين بأعمالهم اللهم أنزل على قبورهم الضياء والنور والفسحة والسرور... حتى يكونوا في بطون لألحاد مطمئنين بعفوك وتجاوزك يا كريم... فقد قدموا لأمتهم وبلادهم الكثير من صنائع المعروف.

تعريف عن الشخصية:

رجل لا يعرفه الكثير وقد سمع عنه القليل وهو من الرجال الأوفياء والأتقياء ولد عام 1896م في بركنتيا ونشأ في أحضانها ألا وهو "بلاتا علي جمع كلب آل ركا" وفي مرحلة عنفوان شبابه واستواء قامته انتقل إلى مدينة كرن إبان فترة الاستعمار الإيطالي فالتحق بمدرسة داخلية في "كرن لعالاي" ومن قوة منهجها كانت تعادل كلية جامعية وأظهر "بلاتا علي" نبوغاً في تحصيله العلمي وكان من الخمسة الأوئل المتخرجين بدرجة التفوق ثم انتقل إلى اسمرا والتحق بوظيفة حكومية وتدرج في السلم الوظيفي حتى أخذ لقب "بلاتا" والتي تعني المستشار وهذا اللقب يعتبر في ذلك الوقت من أرفع الألقاب وقد أهدت إليه الإدارة الإيطالية مسدساً مميزاً نظير جهوده وشجاعته وإخلاصه.

دوره في الإدارة الأهلية:

وفي الإدارة الأهلية تقلد بلاتا علي منصب "حِصة" لأبناء عد فزع و تسأن وهذا المسمى بمثابة المسؤول التنفيذي في شؤون البيت كما أنه ينوب عن "كنتيباي أو الشوم" الذي يعتبر رأس الهرم و "الحِصة" دوره كبير ومهم في إدارة شؤون الرعية لأنه يشرف و يشارك في مجالس الأفراح والأتراح كما أنه يتصدر فض النزاعات في مختلف القضايا ويقوم بإصلاح ذات البين بين الخصوم وهذا المنصب في الغالب يكون متواتراً بين أفراد الأسرة الواحدة.

وابتدأت مسمى "الحِصة" في أسرة "بلاتا علي" من الجِد الكبير "كلب بن ركا" ثم انتقل إلى ابنه "جِمِع" ثم إلى أخيه "جميل" ثم ابن أخيه ضيفنا "بلاتا علي" ثم أخيراً انتهى إلى الشيخ "محمد جِمِع كلب" رحمهم الله جميعاً.

فترة الاستعمار الإيطالي والبريطاني في البلاد:

الاستعمار بطبيعة الحال ينهب خيرات البلاد المستعمرة ويستعبد سكانها ويسخرهم لخدمة مصالحه ولكن إلى حد ما قد يختلف الوضع مع الاستعمار الإيطالي حيث أنشأ هذا الاحتلال أكثر من 2000 مصنع بين صغير ومتوسط وجلب تقنية حديثة لإصلاح الأرض وفلاحتها فانعكس هذا على الإنتاج نوعاً وكماً وتحسن مدخول المواطن وأيضاً أهتم بالبنية التحتية فشق الطرق البرية المعبدة. كما أنشأ خط سكة حديد موازي والهدف ربط مناطق الإنتاج بموانيء التصدير، وخط ثالث كان قيد التنفيذ "التلفريك" ولم ير هذا المشروع النور نظراً لمغادرة الإيطاليين البلاد ودخول الإنجليز مكانهم وهؤلاء لم يهتموا بتنمية البلاد. بل قاموا بتفكيك مئات المصانع ونقلوها إلى جهات أخرى.

إنشاء الشركات الزراعية الإيطالية:

اهتم الإيطاليون بمنطقة القاش وأنشأوا بها أكبر مشروع زراعي وذلك لخصوبة تربتها وتوفر مصادر المياه والأيدي العاملة الرخيصة فيها فضلا عن الطلب للمنتج الزراعي في الأسواق الخارجية وأول شركة تم اختيارها هي "SIA" هي شركة "سيا" لإدارة المشروع في المنطقة الغربية في مدينة "تسني" واكتسبت أهميتها من أنها المقر الإداري و السكني للشركة وموقع المشروع الفعلي كان في قرية "علي قدر" ويمتد المشروع الزراعي فيها أفقياً إلى عشرات الكيلومترات ثم اعقبتها شركة "براتلو" و "كونسور تيوم" وهي كانت أكثر نجاحاً وتطوراً من سابقتها فكان انتاجها وفيراً في المحاصيل الزراعية والبستانية.

ذكرت سابقاً أنه تم اطلق أول لقب بلاتا على "بلاتا علي" وذلك لكفاءته العلمية والإدارية واعجاب الايطاليين به فتم اختياره من قبل الجنرال "كسبريني" ليصبح مسؤولاً في مشروع "سيا" الزراعي ثم انتقل بعدها إلى شركة "براتلو" بنفس المنصب وكان يشرف على عدد كبير من العمال والموظفين. ومن الأشياء التي تذكر وتشكر لـ "بلاتا علي" أنه قام بتعيين وتوظيف أعداد كبيرة من أبناء الوطن وفي مواقع مختلفة للمشروع فاستفاد خلق كثير من هذا المشروع.

تقاعده ووفاته:

وبعد خدمة طويلة أمضاها في مشروع "سيا" و "براتلو" تقاعد "بلاتا علي" عن العمل وآثر أن يكون قريباً من أسرته في مدينة كرن وهو الذي عاش بعيداً عنها حيناً من الزمن وقبل تقاعده قام بتأهيل وإحلال عدد من المواطنين مناصب متقدمة في المشروع ثم بدأ فصل آخر في خدمة أهله ووطنه بعيداً عن الوظيفة والعمل الروتيني وبما أنه كان يجيد اللغة الإيطالية بجدارة فائقة لذا كان يتعاون مع شيخ السوق "كنتيباي هيابو" في كتابة العرائض والشكاوى للمواطنين وتقديمها للجهات الرسمية للمطالبة بحقوقهم ودعم حجتهم القانونية في تظلماتهم الحقوقية. وبعد أن تقدم به السن وإصابته بوعكات صحية متوالية لزم الفراش حتى جاء الأجل المحتوم وانتقلت روحه الطاهرة إلى بارئها في عام 1974م ووري جسده في ثرى مدينته المحبوبة كرن "مقبرة دعاري". وطويت بذلك صفحة بيضاء ناصعة مليئة بالعمل والعطاء لأهله وبلده.

Top
X

Right Click

No Right Click