الي جنات الخلد مربي الأجيال الأستاذ الجليل عثمان عمر عمران

بقلم الأستاذ: عيسى سيد محمد - كاتب ارتري - جدة، المملكة العربية السعودية

بسم الله الرحمن الرحيم

”يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي“ صدق الله العظيم.

عثمان عمر عمران

ببالغ الحزن والأسى تلقيتُ نبأ وفاة أستاذي ورفيق دربي مربي الأجيال الأستاذ الجليل عثمان عمر عمران يوم الاحد ٢٠٢٠/٣/٢٢.

كنت أتمنى زيارته عند علمي بمرضه الأخير لكن الظروف الصحية العارضة حالت دون زيارته، وقد حُرمنا من وداعه إلى مثواه الأخير نسبة للحظر المفروض ومنع التنقل بين المدن بسبب وباء كوفيد 19، لذلك لا نقول إلا ما يرضى الله، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقه لمحزونون "إنا لله وإنا إليه راجعون".

ولد المغفور له بإذن الله في مدينة كرن بدايات ثلاثينيات القرن الماضي وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط بهآ، ثم انتقل إلى العاصمة أسمرا ملتحقاً بمعهد تدريب المعلمين.

بعد تخرجه من معهد تدريب المعلمين في "بيت قرقيس" عمل مدرساً لعدة سنوات في مدينة أغردات ثم نقل إلى الساحل للعمل في مدارس قرروا ثم نقفة ومنها إلى ولآية البحر الأحمر كما عمل مدرساً بمدينة قندع ومنها إلى كرن الابتدائية وايضا درس في سيرتي لمدة سنه، ثم استقر به المقام في مسقط رأسه مدينة كرن للعمل في حقل التدريس بالمرحلتين الابتدائية والمتوسطة ثم المرحلة الثانوية.

قضى جلّ عمره معلماً وإدارياً في كرن وأصبح كثيرون من طلابه من كبار الموظفين في شتي المجالات داخل إريتريا وخارجها وجميعه كانوا يفخرون به ويكرمونه.

غادر مدينة كرن في العام ١٩٧٨ إلى المملكة العربية السعودية، حيث عمل فى مطار خميس مشيط لعدة سنوات ثم تم نقله الى المدينة المنورة في بداية الثمانينيات ومنذ مقامه في المدينة المنورة كان ملازما للصف الأول في المسجد النبوي الشريف خلف الإمام امام الروضة الشريفة وبالقرب من قبر الرسول صل الله عليه وسلم.

ومنذ إقامته في طيبة الطيبة كان ملتزماً بالتواجد في الحرم النبوي الشريف، خاصة أيام الإثنين والخميس والأيام البيض من كل شهر وشهر رمضان المبارك حيث يأتي حاملا عشرة دلال من القهوة العربية ومعها التمر، ثم يبدأ بالتوزيع على الصفوف الأمامية، وبالرغم من كبر سنه إلا أنه كان أنشط من الشباب حيث كان يخدم بنفسه الصائمين ويقدم لهم ما تيسر لحظة الافطار للكبار وحتى لمن هم في عمر أحفاده إلى أن اقعده المرض وصار يأتي به ابنه البار مصطفي على كرسى متحرك ويقوم ابنه واحبابه بتوزيع الإفطار على الصفوف الأمامية. عندما يأتي إلى المسجد يستقبله المصلون بالحفاوة والترحاب وقد كان له مكان محفوظ خلف الإمام.

عرفت المربي الجليل الأستاذ عثمان عمر عمران منذ طفولتي، فقد كمت أحد تلاميذه في الصف الأول الابتدائي، وأذكر في تلك الفترة كانت للمعلم هيبة حيث يخاف الطلاب فور دخول المعلم الفصل، لكن المغفور له بإذن الله كان مختلفاً حيث كان يعامل طلابه بلطف ما جعله محبوباً لدى الجميع ويحظى باحترام كل من تلقى العلم على يديه. كانت ابتسامته وبشاشة وجهه بطاقة الدخول إلى قلب كل من عرفه أو تتلمذ على يديه. عرفته عن قرب أكثر في نهاية العام ١٩٦٣ عندما ترافقنا في المرحلتين المتوسطة والثانوية بمدينة كرن، حيث أصبح قدوتي في المعاملة الراقية للطلاب.

أذكر أن معظم طلاب المرحلة الثانوية بمدينة كرن كانوا يأتون من مختلف المناطق، وكأن الأستاذ الخلوق عثمان عمران ولي أمر كل طالب او طالبة من خارج مدينة كرن. كان يحل مشاكل اطلاب مع المعلمين وإدارة المدرسة ويوجه الجميع التوجيه الصحيح، كما كان خدوما للجميع طلابا ومعلمين ما أكسبه ثقة واحترام كل من تعرف عليه عن قرب، فقد كان شهما ذو أخلاق عالية لا تخفى على الغريب والقريب.

وأن أكثر ما كان يميز الأستاذ عثمان حِدّة ذاكرته خاصة في معرفة أسماء طلابه بالكامل حتى الذين تلقوا التعليم على يديه في سنٍّ مبكرة، كان ينادي كل من يقابله منهم باسمه كاملا، فسبحان الله كان يتمتع بذاكرة قوية جداً حباه الله بمكارم الأخلاق وذكاء حاد وطموح عالٍ، وكان دوما مقداماً في عمل الخير، كان يندمج بسهولة في كل بيئة عمل بها فيكسب احترام وتقدير كل من عمل معه.

أذكر عندما أرادت الشركة التي كان يعمل بها نقله من المدينة المنورة الى شمال المملكة قدم استقالته لكيلا يفارق جوار الحبيب المصطفى صلّ الله عليه وسلم، فقد كان يمني نفسه العيش فيها وأن يوارى جثمانه ثراها الطيب، والحمد لله فقد حقق الله امنياته، حيث عاش عمرا مديدا بجوار المسجد النبوي الشريف، ومن نعمة الله عليه ولصدق نيته حقق الله أمنيته، فقد تم إغلاق احرم النبوي الشريف بسبب وباء كوفيد 19 لعدة أيام وتمّ فتح أبوابه صبيحة يوم وفاته حيث صُلى عليه أمام الروضة الشريفة وأمام قبره الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وصحابته رضي الله عنهم أجمعين، ووري جثمانه الطاهر مقبرة البقيع مع الصحابة والصالحين أدخله الله فسيح جناته.

للأستاذ عثمان أربع أبناء محمد نور، وعبد الرحمن، وعبد الكريم ومصطفى وابنتين، الكبرى زوجة صالح سيد حيوتي، والصغرى زوجة ابن صديقه محمود بشير خليفة محمود شفاه الله. ابنته الكبري وابنيه محمد نور وعبد الكريم موجودين في السويد وابنه عبدالرحمن وكريمته الصغرى في استراليا وابنه الصغير مصطفى ظلّ ملازماً له لأن المغفور له بإذن الله رفض العيش في أوروبا أو استراليا وفضّل العيش في المدينة المنورة.

اللهم اجمعنا معهم في الفردوس الأعلى مع الذين أنعمت عليهم واجعلنا من الذين تتباهى بهم ملائكتك في الموقف العظيم وارزقنا حسن النظر إلى وجهك الكريم.

اللهم اغفر له وارحمه وعافه وأعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللّهم اجعل قبره روضه من رياض الجنة.

اللهم جازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا، والقَه برحمتك ورضاك وقِه فتنة القبر وعذابه.

اللهم أحلّ روحه في محلّ الأبرار وتغمده بالرحمة آناء الليل والنهار برحمتك يا ارحم الراحمين.

اللهم انقله من ضيق اللحود والقبور الي سعة الدور والقصور في سدر مخضود وطلح منضوض وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة مع اللذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، والْهمنا وذويه ورفاق دربه وطلابه ومحبيه الصبر وحسن العزاء.

Top
X

Right Click

No Right Click