رحم الله المناضل أحمد جاسر

بقلم المناضل الأستاذ: أحمد صالح القيسي - قيادي سابق بجبهة الشعبية لتحرير إرتريا

رحم الله الشهيد/ أحمد جاسر الذى احمل له الكثير من الاحترام والتقدير كان رجلا مختلفا في كل شيئ.

أحمد محمد عبدالله جاسر

جمعتني به اواصر صداقة بعيدة كل البعد عن السياسة وعواصفها حين كنت طالبا في جامعة دمشق وكلي حماس بالقضية ويبدوا انه كان يعطف على من فرط الحماسة الشديدة ، حين قررت الذهاب الى الميدان كان الواجب يحتم علي ان اخبره بالقرار ، فهو الرجل الذي كان يقف معي في كل محنة اواجهها كا طالب ، وان يفعل المستحيل ان يعينني ماديا حين كان الفقر ايام الدراسة هو الصديق الوفي خاصة لمن يعيشوا على الطريقة التى كنا نعيش عليها معتمدون على منحة الدولة.

سمع قراري وصمت قليلا ثم عقب بجملة واحدة (انت حر هذا قرارك ، ولكني اخاف عليك من حساسيتك المفرطة ان تنعكس مصائب عليك) حينها لم اعر كلامه اي اهمية ، ولكن ومع الزمن ووسط معمعة التجربة ادركت المعنى العميق للملاحظة ، وهذه قصة اخرى.

بعدها وبعد ثلاثة وعشرون عاما التقينا بمحض صدفة و في ظروف لا تشبه لا من قريب ولا بعيد ذلك الزمن الذي تعارفنا فيه وكان فيه اشبه بالاخ الكبير الذي يرعى صغار اخوته ، لكن اللقاء الثاني تبدلت الظروف والمواقع والرؤية للامور.. وما صنعته ويلات.. ومصائب.. ومشكلات الثورة... كانت اشبه بولادة ثانية لنفس الاشخاص ، مغلفين بهموم ومعاناة ، بدلت نظرتهم لكل شئ في هذه الحياة ، وجاء اللقاء هكذا فالم يخطر ببالي بالمطلق ان يحدث اللقاء بتلك الطريقة والملابسات التى تحيط بهذا اللقاء.

كنت قادما من منطقة (شلالوا) وقد ذهبت الى هناك بغرض ترتيب اوضاع الاعلام هناك. وتقع المنطقة في الحدود مع اثيوبيا لا يفصلها عن (تجري) سوى وادي واسع نسبيا ، وبعد ان قضيت اموري هناك قررت العودة الى الساحل ، وهكذا بدات رحلة العودة ، وفي طريق العودة كانت هناك محطات لقاء مع مراسلي الاعلام والكل ينصحني بالعودة عبر (كسلا) ف (بورسودان) فالميدان.

وكان مبرر هولاء الاخوة بوجود الغام يضعها المتعاونون مع اثيوبيا ، الى جانب كمائن ايضا. وكنت اعلق: هولاء قصتهم بسيطة لماذا لا تذكرون (بعوضة زراء) هي العدو الحقيقي اكثر من هولا ء. وفعلا بعوضة ذلك المكان اشد فتك من معركة قائمة على اصول ، ومن العجائب ان يوجد الذهب في تلك المنطقة. المهم وصلنا الى (قرمايكا) وحينها قررت العودة عن طريق (كسلاء).

في اليوم التالي دخلنا الى (كسلاء) وذهبنا مباشرة الى المقر الخاص بالتنظيم وفجاة وجدت الشهيد (ابراهيم عافة) وفعلا شعرت بحالة من الانبساط ف ابراهيم بعيدا عن كل شي جميل فيه ، كان يملك روحا مرحة لا يعرفها الكثيرون سوى المقربين ، لانه بطبعه كان قليل الحديث ، المهم تملكنى شعور بالفرح حين وجدته هناك ، وبان الايام القليلة في (كسلاء) ستكون حافلة بنكات ابراهيم... في المساء طلب مني ان اجهز نفسي لاننا سوف نخرج للعشاء معا بمفردنا لان هناك موضوع مهم يريد ان يفاتحني به.

في المساء خرجنا معا الى احدى مطاعم (كسلاء) اعتقد انه الارقى هناك ف انا شخصيا رغم زياراتي المتكررة لا اعرف المدينة وتفاصيلها ، وما ان جلسنا حتى سالته: ماهو الموضوع المهم ؟؟؟

ورد بعدين بعد العشاء ، حينها ظهر رجل طويل القامة بملابس توحي بانه المسؤول عن الجرسونات ، وسالنا بكثير من الادب عن ماذا نريد ان نتعشى ، المهم دخل في نقاش مع ابراهيم عن الاشياء المتوفرة.. وتطور النقاش بينهم حتى اصبح عائليا ، وعرف منه انه ارتري الاصل من منطقة (عاقامدى) وانه من الساهو ، وكانت هذه كافيه ان ترك له مسالة الاختيار فهو ادرى بالافضل ونحن مجرد مقاتلين رعاع ، قالها له هكذا صراحة.

ما ان اختفى الرجل... وكنت في غفلة حتى بادرني بالقول: اسمع انقل هذه المسالة راسا الى (شريفوا) وبلغه ان الاوضاع جيدة الى درجة لا تصدق فقد اصبحوا جماعته في غاية التطور ولم يعد متخلفا الا هو... وبصورة عفوية وعند سماعي التعليق ضحكت بصورة ملفتة بحيث توجهت انظار الحاضرين الينا.. وشخصيا شعرت بالحرج الشديد.

اما ابراهيم فقد استمرار بالحديث في موضوع اخر غير مبالي بما يحدث. انتقل بعدها الى الموضوع الاساسي وقال: هناك مجموعة انفصلت عن (قوات التحرير الشعبية) يريدون اللقاء بنا ويطلبون المساعدة عسكريا وماديا. ومن الجيد وجودك في هذا اللقاء ، وتكتب التقرير وتقدمه لانني سوف اتوجه الى (الخرطوم). لم يخبرني اسماء من سنقابلهم ، وانا من جانبي لم اهتم كثيرا.

في اليوم التالي مسا جاءت سيارة من قبل الجماعة لتنقلنا الى هذه الجماعة ومن حارة الى اخرى وفي ظلام دامس بلغنا احد المنازل الشعبية المتواضعة وتوقفت السيارة وحالا تم اطفاء المحرك ، كل المظاهر والرحلة توحي بالهاجس الامني المسيطر على هؤلا الناس. دخلنا على حوش واسع يقع في منتصفه السكن ما ان تعدينا العتبة الاولى حتى ظهر امامي الشهيد احمد جاسر وفعلا ذهلت كما ذهل هو ايضا. المهم وسط هذه المفاجاة وذهولها ، كان ترحيبه بنا مبالغا.

دخلنا في نقاش حول المواضيع الجادة ، وكان بصحبته (...) نسيت الاسم اعتقد انه الان يعمل اداريا في الحكومة الارترية في احدى المحافظات. وبقيت صامتا مذهولا حول طبيعة الحياة ، وكيف تصنعنا الظروف ، وللامانة لم املك الجرءة حتى المشاركة خوفا ان لا تبدر مني كلمة او تعليق يفهم سلبيا من قبل احمد جاسر بعد هذه السنوات وعلاقة تحكمها مسائل كلها تقدير واحترام.

وعندما شددو بقوة حول مسالة السلاح والذخيرة... علقت بتعليق نسف كل الحرص الذي حاولت ان اتقمصه طوال الليل... حين قلت اذا كان طلبكم للسلاح من اجل محاربة (اثيوبيا) فا تركوا الموضوع لنا نحن كفيلون بهذه المسالة ، اما اذا كان من اجل مواجهة قطاع الطرق المنتشرون في منطقة (القاش) فنحن مستعدون. لان تصرفات هولا بلغ مستوى لا يمكن السكوت عليه.

كان هذا التعليق حاسما... وتبناه ابراهيم ، والشهيد احمد جاسر مذهولا وينظر الي مستغربا علي ما يبدوا بين الشخص الذي عرفه قبل عقدين وبين الشخص الجالس امامه. انتهي الاجتماع حتى عودة ابراهيم من الخرطوم... وعند توديعنا ونحن امام الباب الخارجي.

سحبني احمد جاسر قليلا وقال: احمد لقد تغيرت كليا. لم تعد احمد الذي اعرفه... حسمت الموضوع سريعا ، قلت لا تاخذني انا اخترت المنطق جماعتي قد لا يتعاطفوا معك الا في الحالة التى ذكرتها. اما جيش اثيوبيا فا موضوعه شئ اخر.

تغمدك الله بواسع رحمته واسكنك واسع جناته

Top
X

Right Click

No Right Click