لقاء توثيقي مع المناضل حسن آدم حسن عضو المجلس المركزي لجبهة التحرير الارترية ومسؤول العلاقات الخارجية للاتحاد العام لنقابات عمال ارتريا 1ـ2

حاوره موقع: جبهة التحرير الأرترية - أدال61 

عندما كان يافعا قطع دراسته للالتحاق بها وقد تم قبوله للانضمام لجيش التحرير الارتري بداية عام 1976م

بعد عدة محاولات فاشلة، وتم توجيهه لسرية جهاز التسليح (سلاح التسليح) ضمن الفصيلة التي كان يقودها المناضل إسماعيل أمريكي والتي أصبحت فيما بعد نواة للكتيبة رقم (977) ثم لاحقا اللواء 44، شارك في الكثير من معارك فترة التحرير، تسني، أم حجر، الحمرا، بحر حديد، الرويان، بارنتو، وفي معارك بارنتو أصيب إصابات بالغة في كلتا يديه ورجله وأشدها كانت في يده اليسرى حيث تسببت له في ضرر كبير جعله غير صالح لحمل السلاح، فتم توجيهه للعمل المدني فتفرغ للاتحاد العام لنقابات عمال أرتريا وتدرج في هياكله إلى أن أصبح مسؤولا للعلاقات الخارجية فيه.
لم تؤثر الأعاصير العاتية التي مرت على الجبهة في التزامه بها والصمود معها وبها منذ أن التحق بها.

إلى مضابط الحوار:

أدال: المناضل حسن آدم حسن ياريت تعطينا نبذة مختصرة عن نفسك وقصة التحاقك بجبهة التحرير الارترية و نضالك في صفوفها؟

بادئ ذي بدء شكرا للجهد الذي يبذله الإخوة في موقع أدال وعلى التوثيق الذي يقومون به، وشكرا لهم أيضا على إتاحتهم لي هذه الفرصة، أما بالنسبة للنبذة، حسن آدم حسن مواليد علي قدر نهاية الخمسينات من القرن الماضي، أنتمي لأسرة بسيطة تمتهن الزراعة بمنطقة علي قدر، و لقرب على قدر من الحدود السودانية تلقيت تعليمي الابتدائي في كسلا والإعدادي في بورتسودان وقطعت دراستي نتيجة التحاقي بالجبهة، علاقتي بالجبهة بدأت من علي قدر فكل إجازاتي كنت أقضيها مع الأهل في علي قدر، و وقتها بصورة ملفتة أغلب شباب علي قدر كان قد أنضم للجبهة وهذا الأمر ربطنا أكثر بالجبهة لهذا كنا نقضي معظم وقتنا في منطقة القاش وسط جنود الجبهة وتحديدا في منطقة نمرة عشرة وبالمساء نعود لمدينة علي قدر، حاولنا كثيرا معهم حتى يقبلونا في صفوفهم وفي كل مرة كانوا يرفضون بحجة أننا صغار وعلينا أن نكمل دراستنا، وعندما فشلت محاولاتنا، حاولنا عبر مكتب الجبهة في كسلا، وتم قبولنا هذه المرة، فخرجنا للميدان عن طريق قلسا في الحدود السودانية الأرترية وعبرها وصلنا إلى موقع كتاي حيساس وهناك تم فرزنا و كان نصيبي أن أبقى في نفس المنطقة في معسكر سلاح الأسلحة (جهاز التسليح)، وكانت توجد في المعسكر فصيلتين والفصيلة الثالثة متحركة، وأنا تم ضمي للفصيلة التي كان يقودها المناضل إسماعيل أمريكي وتلقيت تدريبي العسكري بنفس الفصيلة، ولم أحمل سلاحا لفترة طويلة حيث حملته في نهاية السنة، وكان ذلك من الأيام المميزة في حياتي فعدم منحي سلاح كان مصدر قلق كبير بالنسبة لي قضيت عامي الأول في معسكر جهاز التسليح في منطقة كتاي حيساس الذي لم تكن تعرفه إلا قلة قليلة من قيادات وجنود الجبهة وقضيت وقتي بين استلام وتخزين الأسلحة وتحميلها.

ثم صدرت الأوامر لفصيلتنا بالتحرك لمنطقة عد حسان وهناك قضينا فترة من الزمن، وكانت تنضم إلينا بعد كل فترة وأخرى فصيلة أخرى إلى أن تم تكوين الكتيبة المميزة رقم (977) بقيادة القائد الشهيد أبو رجيلة ونائبه القائد الشهيد داؤود عثمان رحمة الله عليهما، وقد أتضح لاحقا أنه كان يتم تجهزينا لمعركة تسني، وبالفعل بعد فترة تحركت كتيبتنا نحو تسني وانضمت إليها كتائب وسرايا أخرى.

شاركت في معارك تحرير تسني ومعارك أم حجر و الحمرا و الرويان و بارنتو، وفي معارك بارنتو أصبت إصابات بالغة في كلتا يداي ورجلي و أشدها كانت في يدي اليسرى حيث تسببت لي في ضرر كبير جعلني غير صالح لحمل السلاح، فتم توجيهي للعمل المدني فتفرغت للاتحاد العام لنقابات عمال أرتريا وتلقيت الكثير من الدورات العمالية في الميدان والسودان وسوريا وتدرجت في هياكله إلى أن أصبحت مسؤولا للعلاقات الخارجية في الأمانة العامة لاتحاد نقابات عمال أرتريا.

أدال: ذكرت في النبذة المختصرة، أنه قد تم توجيهك للالتحاق بسرية جهاز التسليح ياريت تحدثنا عن جهاز التسليح مهامه ومن كان المسؤول عنه وأين كان موقعه وقت التحاقك به؟

كان مسؤول جهاز التسليح الشهيد عبده إدريس رحمة الله عليه وسكرتير الجهاز المناضل يعقوب، وقلة قليلة هي التي كانت تعرف موقعه، وكان موقع الجهاز أقرب للحدود السودانية وكان يتكون من موقعين (كاواب وإيلكوك) وكانت المخازن على شكل غرف تحت الأرض تدفن فيها الذخيرة و الأسلحة بعد تشحيمها ولفها بالبلاستيك، وكانت تصل الأسلحة عبر نقلها بالجمال ويتم استلامها ليلا في نقطة تبعد كيلومترين تقريبا عن المعسكر وهي النقطة التي كانت تتوقف عندها الجمال وتنزل حمولتها ثم يتم نقلها من قبل جنود سرية معسكر جهاز التسليح ليتم دفنها بالطريقة التي سبق وأن شرحتها، وعند الطلب يتم استخراجها من المخازن تحت الأرض وتنقل من قبل أحدى فصائل المعسكر إلى منطقة تحميل الجمال التي بدورها تنقلها للوحدات في شتى بقاع أرتريا.

بالإضافة إلى ذلك كانت هناك ورشة كبيرة لتصليح وصيانة الأسلحة المعطوبة كان يشرف عليها المناضل عثمان حشال.
ومعسكر جهاز التسليح كان معسكر محاط بحراسة أمنية مشددة أضف لذلك لم يكن مسموح الدخول إليه لكائن من كان حتى للقيادات العليا للجبهة عدا ثلاثة قاد من المكتب العسكري وهم القائد عبدالله إدريس والقائد محمود حسب والقائد إدريس رمضان أيلوس رحمة الله عليهم جميعا وحتى هؤلاء عندما يحضر أحدهم كان يتم استقباله عند نفس نقطة تحميل الجمال من قبل إحدى فصائل الحراسة التي ترافقه إلى أن يصل لموقع مسئول المعسكر وبعد انتهاء المهمة التي من أجلها حضر ترافقه الفصيلة التي أحضرته إلى النقطة التي استقبلته فيها ثم تعود لمعسكرها.

أدال: فصيلة المناضل إسماعيل أمريكي التي كنت أحد جنودها كانت النواة الأولى للكتيبة المميزة رقم (977) بقيادة الشهيد القائد أبو رجيلة ونائبه الشهيد القائد داؤود عثمان وتطور الأمر لتتحول للواء 44 هل حدثتنا عن ذلك؟

كما أسلفت الذكر تم توجيه فصيلتنا التي كان يقودها المناضل إسماعيل أمريكي إلى منطقة عد حسان في القاش و مكثنا بمنطقة عد حسان فترة طويلة وأثناء فترة انتظارنا تلك بين الفترة والأخرى كنا نتلقى بعض التدريبات التكتيكية وأما عن إمداداتنا الغذائية فقد كانت ملفتة من حيث الوفرة وبالأخص اللحوم فقد كان مشروع تسمين بامتياز، وأثناء فترة الانتظار المبهمة تلك كانت تنضم إلينا فصائل أخرى وأحيانا سرية بكامل عتادها وكان يزورنا بين فترة وأخرى القائد محمود حسب رحمة الله عليه متفقدا أحوالنا ولم يكن يكتفي بمقابلة قادة السرايا والفصائل إنما كان يمر على كل الوحدات وجنودها العاديين ويتبادل أطراف الحديث مع الجميع، ثم تم جمعنا وإبلاغنا أننا منتسبي الكتيبة رقم (977) وقد أشتق اسمها من العام الذي تكونت فيه 1977 بقيادة القائد محمد علي أبو رجيلة ونائبه القائد الشهيد داؤود عثمان رحمة الله عليهم جميعا وكذلك تمت تسمية قواد السرّايا، بينما قواد الفصائل كانوا معروفين منذ البداية لان التجمع كان يتم على أساس الفصيلة، وبعد ذلك لم نمكث سوى فترة بسيطة حتى علمنا أن كل تلك التجهيزات والإعدادات التي تمت كانت لمعركة تحرير مدينة تسني، ثم في فترة لاحقة نفس الكتيبة (977) كانت نواة اللواء رقم (44) الذي أشتق أسمه من تاريخ بداية معركة تحرير تسني 1977/4/4م.

أدال: تحرير مدينة تسني في مايو 1977م كان له وقع خاص في نفس الشعب الأرتري و وقع أكبر في نفس جيش التحرير الارتري وقد كان ذلك واضحا في الاحتفالات التي تبعت التحرير وأنت أحد الذين شاركوا فيها، هل كانت تسني بهذه الأهمية؟ وأرجو أن تحدثنا بالتفاصيل عن تحرير تسني وكذلك المشاهد البطولية و المحزنة التي لازالت عالقة في ذهنك؟

تسني كانت أول مدينة كبيرة ذات موقع استراتيجي مهم يتم تحريرها خاصة وأن تحريرها وتحرير على قدر سيؤمن الخط الواصل بين أرتريا والسودان وهو الطريق المهم الذي كانت تصل به الإمدادات بكل أنواعها كما أن التركيز الاثيوبي عليها وحشد جنوده فيها جعل من عملية تحريرها ككسر لإرادة الأثيوبيين، لهذا تم التخطيط لمعركة تحريرها طويلا ومن كل الجوانب وخطط كذلك لكيفية المحافظة عليها بعد تحريرها وقد شاركت في تحريرها كل قطاعات جيش التحرير والمليشيات ولجان المدينة، وقد تزامنت معركة تحرير تسني مع معركة تحرير علي قدر.

وكما أسلفت الذكر أن أهمية هاتين المنطقتين أنهما تربطان أرتريا بالسودان وكذلك تؤمنان خلفية الجبهة وتسهلان عملية الدخول والخروج من وإلى الميدان والربط بالعالم الخارجي عبر السودان.

أضف لذلك أن معركة تحرير تسني كانت المشاركة فيها كبيرة فكانت بقيادة الشهيد القائد محمود حسب لكن نتيجة لأهميتها معظم القيادات العسكرية الكبيرة والوسطية للجبهة شاركت فيها منهم الشهيد القائد محمد حامد تمساح، والشهيد القائد إدريس رمضان أيلوس والقائد أبو رجيلة والشهيد القائد داؤود عثمان وكذلك القادة عبد لله إبراهيم ومحمد علي حقو وآدم دامر و إدريس فوجاج بل أن مسؤول المكتب العسكري القائد أبو إبراهيم عبدالله إدريس محمد كان حاضرا ومتابعا للمعركة حيث كان متواجدا في أحد جبال تسني وتحديدا جبل حلت سيدي معركة تحرير تسني ابتدأت الساعة الرابعة صباحا بتاريخ 1977/4/4م واستمرت شهرا كاملا حيث تم تحرير المدينة بالكامل وتطهير كل الجيوب بتاريخ 1977/5/4م إلا أنه منذ اليوم الأول تمت السيطرة على المدينة ولم يتبق إلا معسكراتها الثلاثة محاصرة حصارا كاملا، حاول الإثيوبيين نقل الإمدادات لجيشهم المحاصر عبر الطيران إلا أن مضاداتنا الأرضية منعت الطيران من الهبوط فاضطروا لرمي الإمدادات من علو مرتفع فسقطت بيننا وبينهم فمنعناهم من الاقتراب منها بل استطعنا الاستيلاء على الكثير من تلك الإمدادات.

كثيرة هي المواقف البطولية و مواقف الإيثار وكذلك المواقف المحزنة، ففي خور حلت سيدي جرح المناضل حسب الله أبوبكر بخيت وهو من أبناء تسني ومن نفس حلت سيدي وجرح كذلك المناضل علي (لا أتذكر بقية اسمه) من أبناء قرية قلسا في الحدود السودانية الارترية وسقط الاثنان وكان علينا إسعافهما فكل ما ذهبنا أنا وزميلي لأحدهما لنقله من المنطقة التي أصيب فيها قال لنا أن نسعف الآخر والمسافة بينهما لم تكن كبيرة فما كان من المناضل علي وكان قد أصيب في رجله وتهشم عظم ساقه وبقت قدمه معلقة بالجلد فاخرج السونكي وقطع الجزء الذي كان ممسكا بالقدم ولف ساقه في ثوبه وقال لنا بعدين تدفنوها الآن أذهبوا لإسعاف حسب الله.

ومن المواقف التي لن أنساها كذلك أن الشهيد البطل محمد آدم قبل بداية معركة تحرير تسني كان أخذ إجازة ليتزوج في كسلا وبالفعل تزوج وعندما سمع بأخبار تسني وعلم أن سريته مشاركة قطع إجازته وجاء عصر يوم 4/14 وجرح جرح خفيف في يده اليسرى في نفس ساعة وصوله إلا أنه أصر على المواصلة فأستشهد عند الساعة السابعة من مساء نفس اليوم أمام بوابة معسكر الإثيوبيين وهو يحاول اقتحام المعسكر، كما أذكر استشهاد البطل عبدالله إبراهيم وكان قائد سرية وقد استشهد بعد أن تمكن من فتح باب معسكر الفلنسا وهو كان يقاتل وجراحه التي أصيب بها في معركة سابقة لم تكن قد برئت بعد.

ومعركة تحرير تسني من المفترض أن تكون موثقة توثيقا جيدا فقد كان هناك مجموعة من الأجانب و أنا أذكر منهم مجموعة من الفلسلطينين كانوا يصورون المعركة، والظاهر أن كل ما وثقوه ضاع بدخول الجبهة للأراضي السودانية.

أدال: شاركت أيضاً في معارك أم حجر و الحمرا وبحر حديد، وكذلك في المعركة الكبرى التي دارت في منطقة الرويان، ياريت تحدثنا عن معركة الرويان؟

نعم كانت هناك سلسلة معارك بداية بمدينة أم حجر ثم الحمرا ثم بحر حديد وقد توجت بمعركة الرويان و الرويان تقع غرب مدينة الحمرا على تلة متوسطة الارتفاع و فيها معسكر كبير للجيش الأثيوبي و أيضا كان فيها مطار عسكري.

وحدات من جيش التحرير بعد تحرير تسني كانت أعادت انتشارها و تمركزت في أم حجر لفترة بسيطة فصدرت الأوامر إلينا للتحرك لمنطقة الرويان عن طريق حامديت التي تقع في الحدود الارترية السودانية وبالفعل تحركنا إلى الرويان وبعد وصولنا للرويان تم تقسيمنا لقسمين قسم ليهاجم معسكر الجيش والقسم الآخر لمهاجمة المطار العسكري، وقد بدأ الهجوم الساعة الثانية بعد منتصف الليل وأستمر حتى الثانية بعد منتصف النهار، ولأن قوات العدو كانت متمركزة جيدا لهذا حدثت خسائر في صفوفنا فسقط بعض الشهداء كما كان هناك جرحى في صفوفنا وقد تم كذلك أسر بعض جنودنا الذين كانوا جرحى، ومن البديهيات في العسكرية إذا كان الطرف المدافع متمركز جيدا الذي يخسر دائما هو المهاجم ورغم اكتشافنا لقوة تمركز العدو إلا أنه لم يكن بإمكاننا سوى مواصلة الهجوم فإستراتيجية المنطقة فرضت علينا ذلك وعندما سنحت لنا الفرصة انسحبنا وأعدنا ترتيب صفوفنا وبينما نحن في هذا الوضع جاء إلينا شباب من أهل منطقة الرويان وأرشدونا لطريق آخر لم يكن معروف لدينا عبر منطقة حلقين شرق الرويان في محاذاة نهر سيتيت في الجهة المقابلة للمعسكر الكبير وهنا رسُمت خطة جديدة للمعركة، حيث وصلنا منطقة قريبة جدا من المعسكر الكبير وتمركزنا فيها جيدا فبدأ جيش العدو بمهاجمتنا فلم يكن أمامهم من خيار إلا مهاجمتنا لأننا أصبحنا قريبين جدا منهم وأي تراخي منهم يعني اقتحام معسكرهم فدارت بيننا وبينهم معركة قوية استمرت لمدة خمسة ساعات متواصلة وألحقنا بهم هزيمة كبيرة وقد فاق عدد قتلاهم الثمانين، كما أننا غنمنا دبابتين سليمتين وأحدى الدبابتين كان جهاز اللاسلكي الخاص بها يعمل وكنا نسمع ما يقولون عن ضرورة استعادة دبابة عبد الكريم وكثير من النداءات الأخرى التي عرفنا من خلالها أن عبد الكريم كان جنديا يمنيا جنوبيا، وقد تم تحريك الدبابتين لخلفية جيشنا فأصبحت محاولاتهم في استعادتهما مجرد أحلام. بعد الانتصار الباهر في الرويان تمركزنا لفترة بسيطة في منطقة حلقين ثم عدنا لمدينة أم حجر.

أما بشأن القادة الذين أتذكر أنهم شاركوا بشكل وآخر في معركة الرويان سواء عبر الإشراف العام أو بقيادة السرايا والفصائل، منهم القادة:-
• محمود حسب،
تسفاي تخلي،
حامد زبوُيّ،
أبو رجيلة،
داؤود عثمان،
شاويش مالك،
منصور أبوبكر،

وآخرون، كما أذكر الشهيد منصور الأمين وكان قائد فصيلة أستشهد في معركة مطار الرويان العسكري.

أدال: معارك بارنتو كانت معارك عنيفة والخسائر البشرية كانت فيها كبيرة وقد أستشهد فيها أحد كبار قادة الجبهة القائد إدريس رمضان أيلوس وكذلك أستشهد فيها الكثير من قادة السرايا والجنود ومع هذا فشلت الجبهة في تحريرها، وبما أنك كنت أحد المشاركين فيها، ياريت تحدثنا عنها، وكذلك توضح لنا لماذا استعصت عليكم و كيف أستشهد القائد إدريس رمضان أيلوس؟

معارك تحرير بارنتو كانت ذات طبيعة خاصة وأقول معارك لأنها بالفعل لم تكن معركة واحدة متصلة، إنما كانت معارك متقطعة استمرت لفترة طويلة، فالإستراتيجية التي كانت متبعة في الجبهة لتحرير المدن، هي أولا تحرير كل القرى التي حولها ثم الشروع في تحرير المدينة، و بارنتو كانت مختلفة في طبيعتها حيث أنها محاطة بسلسلة من الجبال الوعرة بالإضافة إلى أن تحصينات الأثيوبيين العسكرية كانت فيها قوية جدا، كما أنها كانت آخر معقل للجيش الأثيوبي في منطقة بركة و القاش لهذا كانت نقطة تجمع لكل من أفلت من مطاردتنا، وبالإضافة لكل تلك العوائق التي تجعلها صعبة المنال كان هناك عائق لعب دورا أساسيا في استعصائها وهو أن جزء كبير من أبناء بارنتو كانوا في صف أثيوبيا و استماتوا في الدفاع عنها ثم جاءت مرحلة الانسحاب الاستراتيجي من المدن.

وضمن الإستراتيجية التي كانت متبعة في تحريرها كان علينا في كل مرة تحرير أحد الجبال للتقدم وكان كل جبل يستغرق الكثير من الوقت والخسائر.

بارنتو شارك فيها كل قادة الجبهة العسكريين ومعظم جنودها، إن كانت المشاركة بشكل متقطع أو بشكل متواصل فشارك فيها كل أعضاء هيئة الأركان العامة، القادة:-
محمود حسب،
حامد محمود،
تسفاي تخلي،
إدريس رمضان أيلوس،
محمد حامد تمساح،
ومن خارج هيئة الأركان العامة القائد/ عافه محمد حامد،

وغيرهم من كبار القادة.. بل أن الجبهة الشعبية شاركتنا فيها لكنها لم تستمر في مشاركتها فقامت بسحب وحداتها العسكرية.

بالنسبة لاستشهاد القائد البطل إدريس رمضان قبل استشهاده كانت قد وصلت وحدات الجبهة الشعبية وهو من كان يقود المعركة في تلك الناحية لهذا كان عليه أن يقوم بتوجيه كل الوحدات في المنطقة وقد حكى لي الشهيد داؤود عثمان وكان أحد قادة المعركة تحت قيادة الشهيد إدريس رمضان، فقال أننا كنا نشك في أن إحدى مناطق هجومنا كانت مزروعة بالألغام، لهذا قال الشهيد إدريس رمضان نحن سندخل منها حتى لا تقول الجبهة الشعبية أدخلونا من منطقة الألغام، لهذا وحدات الجبهة الشعبية دخلت من المنطقة التي كنا متأكدين من خلوها من الألغام، وكان هجوم وحدات الشعبية هجوما حماسيا جدا، و أثناء المعركة ظهر أن الأثيوبيون انهزموا أمام وحدات الجبهة الشعبية وأخذوا في التراجع إلى الخلف فتبعتهم وحدات الجبهة الشعبية فوقعوا في فخ الحصار، وتم حصارهم بالكامل، فأخذ الشهيد إدريس سبعة من الجنود وذهب لفك الحصار عنهم و ليفتح لهم طريق للخروج وبالفعل أستطاع كسر الحصار وفتح لهم طريق للانسحاب وبمجرد أن خرجوا من الحصار توجهوا لعرباتهم العسكرية وغادروا كل المنطقة وعادوا لقواعدهم في الساحل، بينما أستشهد إدريس رمضان ورفاقه الأبطال لأن المعركة بينهم وبين الاثيوبين كانت غير متكافئة لأنهم كانوا مجرد سبعة أفراد أمام جيش كامل والذين حضر لنجدتهم وكان يفترض أن يشاركوهم المعركة ويخففوا عليهم الضغط قد انسحبوا بغير رجعة لهذا تم حسم الشهيد القائد إدريس ورفاقه سريعا قبل وصول نجدة الجبهة إليه، رحم الله الشهيد البطل إدريس رمضان ورفاقه فقد كان قائدا متميزا في كل شيء.

أدال: أثناء التحضير لهذا اللقاء حدثتني بحزن عن استشهاد المناضل يوسف كيلا ورفاقه وأنت شاركت في موارة جثامينهم الطاهرة، ياريت تحدث القراء بها؟

يوسف كيلا أحد أبناء معسكر سمسم للاجئين وأحد أبطال جيش التحرير الارتري وكان قائدا لسرية من سرايا جيش التحرير و من المشاركين الفاعلين في معارك بارنتو وبينما هو ورفيقاه يخططون لهجومهم القادم كانوا جالسين على صخرة حتى تكون المنطقة مكشوفة أمامهم، فتم رصدهم من العدو فقذفهم بقذيفة تسببت في استشهادهم جميعا، وبعد انجلاء الأمر ومعرفتنا لمّ حدث شرعنا في دفنهم بالقرب من مكان استشهادهم وكان معنا رجل كبير من مليشيات المنطقة التابعة للجبهة، فبينما نحن نجهز القبر سحب هو جثمان الشهيد يوسف كيلا قليلا إلى الوراء فلم نعلق على فعله و واصلنا دفن الشهيدين الآخرين وبعد الانتهاء من دفنهما طلب منا مساعدته في حمل جثمان الشهيد يوسف لدفنه في مكان آخر قريب، فقلنا له أتركنا ندفنه هنا مع رفيقاه اللذان لم يفارقهما وهو حي فأصر أن نساعده على حمله ولمّا كان الأمر غير منطقي توقفنا نحن دون ردة فعل لا ايجابية ولا سلبية و وقتها كان قد حضر الشهيد القائد داؤود عثمان فطلب منّا مساعدته في حمل الجثمان ودفنه حيث يريد فنفذنا الأمر وحملنا الجثمان إلى أن اقتربنا من القرية التي لم تكن بعيدة من موقعنا وهناك أشار إلينا الرجل إلى موقع شرعنا كلنا بحفر القبر فيه ودفنا شهيدنا ثم عدنا إلى موقعنا وعاد معنا الرجل وعندما وصلنا إلى الموقع وقف الشهيد داؤود عثمان ورفع كفيه بالفاتحة ثم عزى الرجل وقال لنا عزوا عمكم أنه والد الشهيد يوسف كيلا الذي دفنتموه قبل قليل فعزيناه وطلبنا منه أن يذهب للقرية لينال قسطا من الراحة ويعمل عزاء للشهيد فرفض وأصر أن يواصل القتال، ورغم أننا من كثرت الموت ودفن الشهداء تعودنا للتعامل مع موت رفاقنا وعلى الحزن وتفجيره غضبا على العدو الذي تسبب في استشهادهم، إلا أننا فشلنا جميعا في تجاوز حزننا على الشهيد يوسف كيلا وأبيه الذي واصل معنا القتال كاتما لحزنه، ثم عرفنا سر نقله للجثمان إلى القرية فقد كانت تلك القرية التي ولد فيها الشهيد يوسف، وكان أبو يوسف موجودا طيلة الوقت ولفترة طويلة إلى أن جرحت أنا وغادرت للعلاج.

أدال: في بارنتو أيضاً أصبت إصابة بليغة غيرت مسار نضالك من العسكري للمدني، ياريت تحدثنا متى وكيف أصبت وأين تلقيت العلاج؟

نعم أنا أصبت بعدة جراح في بارنتو، فقيادة المعركة في كل مرة كانت تجرب طريقة مختلفة للهجوم للمحافظة على المواقع التي نحررها فقد كنا نفقدها سريعا، لهذا تم تقسيم كل الجيش لوحدات صغيرة كل وحدة تتكون من خمسين جندي الخمسين الأولى تهجم والخمسين الثانية تسيطر على الموقع بعد تحريره وفي معركة جبل اليشا بتاريخ 1978/2/20م التي كان قائدها المناضل محمد علي فكاك رحمة الله عليه، كنت من مجموعة الهجوم وعند الساعة الخامسة صباحا وبينما أنا واثنان من رفاقي الجنود نتسلق الجبل وكنا قريبين من بعضنا تم قذفنا بقذيفة أربجي أصابت الصخرة التي كنا بجوارها وانفجرت فينا فاستشهد أحد رفاقي وجرح الآخر في رجله اليمنى بينما أنا أصبت في كلتا يدي ورجلي اليسرى وكانت الأكثر تضررا من الإصابة يدي اليسرى وقد سقطنا ثلاثتنا من أعلى الجبل وبعد أن وصلنا إلى الأرض تم إسعافنا ودفن رفيقنا الثالث وتم نقلنا لعيادة هجر الميدانية التي كانت قريبة منا وكان مسئولها المناضل محمود أدروب، ثم بعد يومين تم نقلي إلى مستشفى هواشيت ومكثت هناك فترة سبعة أشهر وبعد أن بدأت جراح يدي اليسرى تلتئم تم تحويلي إلى كسلا ثم لاحقا سافرت لتلقي دورة عمالية في سوريا فوجدت فرصة أخرى لعلاج جزئي ثم قبل أن أكمل العلاج تم استدعائي والعودة من سوريا لتراكم بعض المهام التي كان عليّنا زملائي وأنا انجازها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وإلى اللقاء في الحلقة الثانية التي نوثق فيها تفرغه للاتحاد العام لنقابات عمال أرتريا.

Top
X

Right Click

No Right Click