معجم للغة التجرايت أو التجري - الجزء الخامس

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد الحاج - كاتب وناشط سياسي ارتري - ملبورن، أستراليا

51. مَعَايَدِينْ": بمناسبة العيد السعيد نقول لكم جميعاً "مَعَايَدِينْ" و"مَسَالَمِينْ"، ولنا تخريجٌ لطيف

لهاتين الكلمتين.

ذلك أنه وكما كانت تفعل بعض قبائل اليمن منذ القدم، فإنَّ الحَبَاب ما زالوا يدخلون بعض الكلمات في بعضها عند الحديث ومن ذلك أنهم يحذفون الهمزة إذا وقعت في آخر الكلمة. ولذلك من الدارج لديهم مثلاً قول: «ما شالله» بدل «ما شاء الله»، وهذه عادة يمانية قديمة تسمى «اللخْلَخانِيَّة».

ورد في كتاب «فقه اللُّغة وسر العربية»، لأبي منصور الثعالبي، أنَّ اللخْلَخانِيَّة تَعْرِض في لغة أعراب الشِّحْرِ وعُمان، كقولهم مَشا الله، أَيْ ما شاء الله. ولعل أوضح مثال لتأثير اللخْلَخانِيَّة في لهجة الحباب قولهم: "مَعَايَدِينْ" بدل "من العائدين" عند تهنئتهم لبعضهم في العيد، وقولهم "مَسَالَمِينْ" بدل من السَّالمين"!!. وهذه اللخْلَخانِيَّة لا ينفرد بها في وقتنا الراهن الحَبَاب فقط، بل لاحظت أنَّ الكثير من الأعراب في الخليج والعراق واليمن وعُمَان، وحتى موريتانيا، يتَّبِعُون نفس الأسلوب. يقول الخليجيون والعراقيون مثلاً: "مَاكُو" بدلاً من "ما أكُو"، ولا أدري ما إذا كانت "أكُو" لغةً عربيةً ولكنهم، على كل حالٍ، يقصدون بها "ها هو؛ موجود"، و"ماكو" يقصدون بها غير موجود.

52. كَلْأَ: فعل ماضي في لهجة الحباب بمعنى مَنَعَ وحَمَى وحَفِظَ وحَرَسَ، والمضارع: "تكَلِّئ" للذكر والأنثى، والأمر: "كِلَأْ" بكسر الكاف. يقولون في أدعيتهم: " يا رَبِّي شرُّ كِلْأَنَّا" بمعنى ياربي أحمنا من شرِّهِ. ويتوافق المعنى مع الفصحى. قال تعالى: قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ ۗ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ" {سورة الأنبياء: الآية: 42}. وورد في معجم لسان العرب، مادة " كلأ" عن اللَّيثِ، يقال: كلأَكَ اللّه كِلاءة أَي حَفِظَك وحرسك، والمفعول منه مَكْلُوءٌ، وأَنشد:

إِنَّ سُلَيْمَى، واللّهُ يَكْلَؤُها، * ضَنَّتْ بِزادٍ ما كانَ يَرْزَؤُها وفي الحديث أَنَّه قال لِبِلالٍ، وهم مُسافِرُون: اكْلأْ لَنا وقْتَنا، هو من الحِفْظ والحِرَاسة.

53. دَرَّكَ: فعل ماضي رُبَاعِي متعدي في لهجة الحباب بمعنى دَفَعَ الشيء الى الأمام لإسقاطه أو لأي هدفٍ آخر. يقولون: " دَرِّكُهْ - وقد تنطق “دَرِّكُو" بمنعنى أدفعه الى الأمام والمصدر "دَرَّكُوتْ"، على صيغة "فَعَّلُوتْ" وهي صيغة شائعة لديهم لمصدر الفعل الرباعي. ومادة دَرَكَ في الفصحى تفيد الاندفاع والسقوط من أعلى عموماً. ورد في "معجم الغني"، أنَّ "دَرَّكَ"، يُدَرِّكُ؛ مصدر: "تَدْرِيكٌ"، "دَرَّكَ الْمَطَرُ: تَتَابَع سُقُوطُهُ" (انتهى). ثم اشتقت من مادة دَرَكَ معاني كثيرة بعد ذلك مثل معنى اللحاق بما سبق كقوله تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ" {سورة الأعراف: الآية: 38}؛ وأَصله تَدَاركوا أي لحق بعضهم بعضاً.

54. سَآر: تعنى في لهجة الحباب بقية الشراب أو ما تبقى من ماء أو حليب أو ماشابهه في الإناء، والجمع " سُؤر". يقول الحباب مثلاً: " سُؤُرْ أدُوجْ" ويعنون بذلك ما تركته الحمير من ماء بعد شربها‼. والمعنى يتفق مع الفصحى حيث أنَّ أصل الكلمة في اللغة العربية هو "سَأْآر" بمعنى بقية الشراب المتبقي في الإناء، بل يقال إنَّ كلمة "سُورَة" كما في القرآن، اشتقت من هذا المعنى، وأصلها "سُّؤْرَة" أي بقيَّةٌ من القرآن وقِطْعَةٌ منه. ورد في معجم "لسان العرب"، مادة - سَأر - أنَّ السُّؤْرُ هو "بَقِيَّة الشيء، وجمعه أَسآرٌ، وسُؤْرُ الفأْرَةِ وغيرها". ثم أورد الحديث: "إِذا شَرِبْتُم فَأَسْئِرُوا"؛ أَي أَبْقَوا شيئاً من الشراب في قَعْرِ الإِناء. وفي حديث عبدالله بن عباس قال: "دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وخالد بن الوليد على ميمونة فجاءتنا بإناء من لبن فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على يمينه وخالد على شماله فقال لي : الشربة لك فإن شئت آثرت بها خالدا ؟ فقلت ما كنت أُثر على سؤرك أحدا.

55. سَكْبَ: فعل ماضي بمعنى نام سواء كان نوما عميقاً أو غفا غفوةً، ومصدرها "سِكَاب" واسم المكان "مَسْكَب". قال الشاعر والفنان إدريس وَدْ أمير ، وهو رجل من بادية الحباب وتغنى في شعره بمناطقها (أدْهَرَا ونَارُو ولبْكَا وقُرُورَا ...الخ):

قـطَّـانْ جَبَيْ سِجَادَتْ (أنت رشيقة مثل الطريق بين جبلين)
هَرَّسْكِينِي مِنْ سِكَابْ (ايقظتينني من النوم (سكاب)
كَارَيكِينِي دِيبْ حَالَتْ (ووضعتينني في حالةٍ - ربما من الجنون!)
أدَّام أقْـلُـوبْ لَحَـانِـيُـو (الناس تدنيهم القلوب من بعض)
مِي دُولْ مِثِـلْ لِتْـوَالَدْ (ولا يشترط أن يولدوا - يعيشوا - مع بعضهم)
وَلَفْ كُوهُـو لأفَوكِي (لقد ولفت فمكك - ولفته من الإلفة)
كِـمَّا ولَـفْ سِجَـارَتْ (مثل ولفي للسجارة)
حَـتّـي لالِـي مِـثِلْـكِي (لئن قضيت معك ليلة واحدة)
راضِي أنَا رَصَاصَتْ!!. (فأنا راضٍ بعد ذلك بأنْ تصيبني رصاصة!!).

والفعل "سكب" بمعنى نام أصله سبئي حيث وردت "سكب" و "مسكب" ضمن كلمات المعجم السَّبَئي، بيد أنَّ واضعي المعجم لم يتمكنوا من معرفة معناهما ولهذا تركت الكلمتان بدون شرح (انظر صفحة 125 من المعجم السَّبَئي.

56ـ حَرْطَ: فعل ماضي بمعنى جرد وأخرج الشيء من غمده ومخبأه؛ مثلاً يقول الحباب "سيفو حَرْطَ" بمعنى أخرج سيفه من غمده، وكذلك "جَرْدَتْ حَرْطَ" بمعنى سل سكيناً من غمدها. والمعنى يتوافق مع السبئية حيث وردت لفظة "حرط HRT" بمعنى انتضى/سلَّ/اخترط سلاحاً (أنظر الصفحة 62 من المعجم السبئي). وإذا أجرينا قاعدة أنَّ أصل الخاء في لغة العرب هي الحاء كما قلنا في أخو وخال وخمس وغيرها، فإن معنى "حَرْطَ": يتوافق مع اللغة الفصحى حيث نجد أنَّ من معاني "خَرَطَ" في اللغة العربية الفصحى أخراج الشيئ من غمده. ورد في معجم "العباب الزاخر" أنَّ "اخْتَرَطَ سيفه" تعني سل سيفه ثم ذكر الحديث الشريف: إنَّ هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتاً فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله؛ ثلاثاً"، والحديث كما روي في كتب السيرة هو أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قد أَخْبَرَ "أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قَبْلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاةِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاةِ يَسْتَظِلُّونَ فِي الشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ فِيهَا سَيْفَهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً ثُمَّ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا فَأَجَبْنَاهُ فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي يَا مُحَمَّدُ؟ فَقُلْتُ: "اللَّهُ" فَشَامَ السَّيْفَ وَجَلَسَ، ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ".)".

57. حَبَنْ: معناها العام لدى الحباب التبجيل والتشريف الذي يمنح لشخص أو مجموعة لسبب أو آخر. ويتوافق المعنى مع السبئية حيث ورد في المعجم السبئي (صفحة 69) أنَّ "حّبَن HNB" عبارة عن لقب صاحب منصب مما يدل على معنى التبجيل والتشريف. التحية لمجموعة "حَبَنْ" وعلى رأسهم أخونا الشيخ محمد أحمد المنصوري - حيت ود حيت.

58. "حِرَظْ": تعني العصا الرقيقة جداً في لهجة الحباب، ونعتقد أنَّ أصل الكلمة هو "حرض"، وقد ذكرنا معناها في موضعها. وينبغي ملاحظة أنَّ حرف "الضَّاد" في لهجة الحباب ينطق بطرق مختلفة ففي بعض الكلمات مثل "ضغط" ينطق بطريقة تشبه نطق حرف “ch” كما في “church” في اللغة الإنجليزية، وفي بعض الكلمات ينطقه البعض بطريقة تشبه حرف "الظاء" وليس بظاءٍ، وينطقه قسم آخر "طاءً" كما هو الحال لدى بني عامر، وفي بعض الأحيان ينطقونه دالاً، وعلى كل حال لا يوجد حرف الضاد بنطقه المعروف في لهجتهم. ولعل قائلاً يقول إذن لهجتكم ليست عربية لأن العربية تسمى "لغة الضاد" فنقول له على رسلك لأن لغة الضاد المقصود بها اللغة العربية الفصحى الحديثة بعد تطورها من لغة العرب العاربة وهي على كل حال تختلف عن لغة العرب العاربة كما قال قديماً الفقيه أبو عمرو بن العلاء البصري شيخ القراء والعربية وهو من بني تميم وأمه من بني حنيفة. بل إنَّ وصف اللغة العربية بأنها "لغة الضاد" لم يكن معروفاً حتى جاء المتنبي فقال:

لا بقَوْمي شَرُفْتُ بل شَرُفُوا بي وَبنَفْسِي فَخَرْتُ لا بجُدودِي
وبهمْ فَخْرُ كلّ مَنْ نَطَقَ الضّادَ وَعَوْذُ الجاني وَغَوْثُ الطّريدِ

ومن هنا انطلق وصف لغة الضَّاد، أي مؤخراً، والدليل على ذلك أننا لا نجد هذا الوصف "لغة الضَّاد" في كتب اللغوين الأقدمين ومن ذلك مثلاً أنَّ الثعالبي - وهو شهد عصر المتنبي (حيث توفي في عام 1038م) - لم يذكر هذا التعبير في كتابه " ثمار القلوب في المضاف والمنسوب"، وهو كتاب عمدة في اللغة.

فحرف الضاد بنطقه (المفخم) الحالي لم يكن موجوداً لا في لغة العرب العاربة ولا المستعربة، وإنَّما كان هنالك حرفٌ يشبه نطقه نطق الضاد ولكن ليست الضاد التي نعرفها حالياً. فقد وصف سيبويهِ (توفي عام 796 م) النطق القديم للضاد فقال: إنَّ مخرج الضَّاد هو من "أول حافـة اللّسان وما يليه من الأضراس"، وهذا يعني أنَّ الضَّاد التي ننطقها اليوم مفخمة مجلجلة لم تكن تنطق كذلك لدى العرب، وإنَّما كان نطقها أقربُ الى نطق الظاء، أو قُلْ بين الظاء والثاء، وفي هذا المعنى يقول الدكتور: تمام حسان في كتابه "اللغة العربية - معناها ومبناها" إنَّ "الضاد الفصيحة كانت تُنطق بواسطة احتكاك هواء الزفير المجهور بجانب اللسان والأضراس المقابلة لهذا الجانب، ومن ثم يكون صوت الضَّاد الفصيحة من بين أصوات الرخاوة، مثله في ذلك مثل الثاء"( ). بل إنَّ الثابت هو أنه، وقبل عصر المتنبي، تفضيل حرف الظاء ووصفه بأنه حرف العرب الذي لا يشاركهم فيه أحد. فلو رجعنا نحو مئتي عام الى الوراء من وفاة المتنبي (توفي عام 354هـ) لا نجد تفضيل الضاد بل الظاء. يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي (توفي عام 170هـ)، وهو الذي ينتهي نسبه الى شعب قحطان والعرب العاربة، وكل علماء اللغة العربية عَالَةٌ عليه، حيث أنَّه أول من وضع معجماً لها (كتاب العين)، وأول من قام بتشكيل حروفها، وأول من استحدث علم العروض وعلم النحو، يقول الخليل: "الظاء حرف عربي خُصَّ به لسان العرب، لا يشركهم فيه أحد من سائر الأمم... ولا يوجد في كلام النَّبط، فإذا وقعت فيه قلبوها طاءً"( ).

نعود الى الخلاف بين الفقهاء في نطق الضاد ونقول إنه خلافٌ قديمٌ جديدٌ، وإنَّ التشابه بين حرفي الضاد والظاء أمرٌ مُسَلَّمٌ به، وفي ذلك يقول الشيخ العلامّة عبيد الله الأفغاني، الذي اشتغل بتدريس القرآن في الحرم النبوي الشريف، إنَّ "المشابهة بين الضاد والظاء ثابتة، عند أهل اللغة، وأهل التسفير (يقصد التفسير)، وأهل الفقه، وأهل القراءات والتجويد"( )؛ ذلك لأنَّ الضاد والظاء "متشابهان صوتاً وسمعاً لا فرق بينهما إلاّ في المخرج والاستطالة وباقي الصفات مشتركة"( ).

والعرب منذ القدم، وحتى يومنا هذا، يعقبون الظاء مكان الضاد (كما يفعل الحباب أحياناً) وفي هذا قال الإمام الذهبي رحمه الله: " جائزٌ في كلام العرب أنْ يعاقبوا بين الضَّاد والظَّاء؛ فلا يُخطيء من جعل هذه في موضع هذه"( )، ويفهم من كلام الإمام الذهبي أنَّ من قلب الضَّاد ظاءً فهو ليس بمخطيءٍ ولا أحد يستطيع إخراجه من ملة العرب لأنَّ العرب هكذا نطقت وتكلمت منذ القدم والى اليوم!! وعلى سبيل المثال لا الحصر نشير الى ما روي عن رجل من الأعراب أنَّه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: " يا أمير المؤمنين: أيُظَحَّى (بالظاء) بِضَبْيٍ (بالضاد)؟، قال: وما عليك لو قلت: أيُضَحَّى (بالضاد) بِظَبْيٍ (بالظاء)، قال: إنها لغة، قال انقطع العتاب، ولا يضحى بشيء من الوحش"( ).

ولا يزال الناس في السودان وشعوب عربية أخرى يقولون "صلاة الضُّهر" ويقصدون "صلاة الظُّهر"، وما زال الناس في السعودية والخليج وبعض بلاد الشام يقولون مثلاً "ضلينا"!!، ويقصدون "ظللنا"، ويكتبون في بعض محرراتهم "الرجاء التفظُّل" ويقصدون "التَّفَضُّل"، وهذا ما أكَّده غيرنا حيث يقول الشيخ: عبيد الله بن عطاء الأفغاني: "إنَّ الضاد المنطوقة في البلاد العربية ليست هي الضاد المعروفة عند القراء؛ فإنَّه في بعض البلدان دال مفخمة، وفي بعض البلدان الأخرى تشبه الزاي المفخمة"( ).

59. جِعِلْ: (بالجيم اليمانية المكسورة) تطلق في لهجة الحباب على حشرة تشبه الخنفساء السوداء ولكنها أكبر حجماً، وهي حشرة مدببة الشكل وسوداء اللَّون وحركتها بطيئة، وتقتات في الغالب على الروث ومنه تبنى أوكارها بتكوير بقايا الروث على شكل كرة تعمل على دحرجتها الى منتهاها؛ وهذه الحشرة تسمى "أبُو الجُعْرَان" و "أبُو الدَّرْدَاق" في اللهجة العامية السودانية، وتسمى "الجُعَلُ" - بضم الجيم - في اللغة العربية الفصحى.

60. عِلال: هو ما يعرف بالزَّغْرَدَةِ أو الزَّغْرُودَةِ في اللهجات العربية الأخرى، وهو صوت تصدره النساء للإعلان عادةً عن الفرح بإخراج الهواء من الجوف أو الحلق مع تحريك اللسان واصطدامه بأعلى الحنك، والزَّغْرَدَةُ في الأصل هي هدير يردده الفحل (الجمل) في حلقه. ولم أجد في العربية الفصحى لفظة "عِلال" بمعنى الإعلان إلاَّ في قولهم "عَالَوْا نَعِيَّهُ" بمعنى أَظْهَرُوهُ. قال مالك بن الريب التميمي:

ويا ليت شعري هل بكت أمُّ مالكٍ * كما كُنْتُ لو عَالَوْا نَعِيَّكِ باكِيا

والعِلالُ تستخدمه نساء الحباب للإعلان عن الفرح في الزواج وغيره وإنْ كانت جدتنا "أمُةُ مَارْيَام وَلَتْ جِمِع" قد استخدمت "العِلَالَ" في موضع يعتبر في قمة الحزن. وقصتها طويلة ومعروفة لدى الحباب وإختصاراً نقول: إنَّ "أمُةَ مَارْيَام" هذه، وهي جدة أعلى لكنتيباي الحالي (2016م)، قد فقدت بعضاً من أقاربها في معركة شَنْجَيْرَا Shangaira بسبب خلاف بين زوجها وأبنائها ورهطها من جانب، وأبناء عمومتهم من جانب آخر، على منصب كنتيباي، تولى على إثرها زوجها "هِدَاد وَدْ فِكَاك" منصب كنتيباي. وبعد فترة حدثت فتنة بين أبناء هِدَاد أنفسهم في تولي المنصب بعد هِدَاد وانقسموا الى فريقين: فريق مع إدريس وَدْ هِدَاد وفريق مع إزَازْ وَدْ هِدَاد، والتقى الجَمْعَان في معركة "تَجَبْ Tagab ــ بالجيم اليمانية ــ ويكتبها البعض تَقَبْ" التي قتل فيها كثيرون من بينهم إبنها "إزَازْ" ؛ فخاف الناس عليها من الحزن وحاولوا إخفاء الخبر عنها بَيْدَ أنَّها أصرَّت على معرفة نتيجة المعركة فقيل لها إنَّ إبنك "إزَاز" من ضمن القتلى؛ ففاجأت الناس بأنْ اطلقت "عِلَالاً"، أيْ زغردت "عَلَلَتْ - بلهجة الحباب" وقالت: "هَبَ لأجَّنَا" يعني: هَبْنِي يَدَك أو "جيب الخمسة" كما يقال بالعامية السودانية!!، ثم قالت: اليوم تم أخذ ثأر إخواني الذين قتلوا في شنجيرا بمقتل هولاء في تَجَبْ (بما فيهم أبنها!!).

إلى اللقاء... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click